كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)

فليس اللفظ في القرآن كما يكون في غيره، فكل لفظة في الآية تكاد تكون آية، فهي تحمل معنى وتومئ إلى معنى، وتستتبع معنى، وهذا ما ليس في الطاقة البشرية (كِتَابٌ أُحكمت آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) (¬1).
إن قوة الإشعاع في التعبير القرآني وتعدد صوره هو الذي أعجز العرب أن يأتوا بمثله، فهو أسمى من أن يُدرك في حاسة أو ينحصر في مدلول، لقد منحه المنشئ سبحانه صوراً وإشراقاً وإعجازاً يذهب في تأويله المفسرون مذاهب شتى لأنه ينزل في أحوال النفس منازل، ثم يدع للعقل بعدها أن ينطلق في معانيه انطلاق النور في الأفق الأعلى، لا تنقضي عجائبه.
وإجادة العربية والحذق فيها والتمكن من ناصيتها يفتح على الدارس مغاليقها ويكشف العصيّ من معانيها، والتضمين في هذه اللغة الشريفة دليل سعتها ومرونتها، وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها، والتركّح في وجوهها ونواحيها، فالكلمة فيها كثيرة الدلالات وتختزن الكثير من المشاعر والأفكار، فإذا أثبتنا معنى لظاهر اللفظ يقبله السياق فلا حرج من التماس النظير من كلام العرب، لأن النظير يُؤنَس به، فأما ألا يَثْبت المعنى إلا به فلا، ولسنا ندع ظاهراً له وجه من القياس لغائب ليس عليه دليل.
هذا المعنى الذي أثبتناه للفظ في سياقٍ ما، قد يحور عنه في سياق آخر ليديره على طريقة يصيب بها مواقع الشعور، أو يتنكب عنه استثقالاً مما تحامل الطبع به:
فإن لم تنل مَطلبا رمته ... فليس عليك سوى الاجتهاد
واختيار هذا الموضوع هيّأ لي أن أقف على هذه الحروف ومتعلقاتها من فعل أو مشتق، أقرأ وأعيد لأتبين ما خفي من أسرارها المغفول عنها وغير
¬_________
(¬1) هود: 1.

الصفحة 12