كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)

وفي دواوين الشعر الجاهلي ومجموعاته وتأهبت له، لولا اتساع رقعة البحث، وخشْيتي ألا يتسع لشواهده، ولا يسمح بإيلافه.
هذه الشواهد التي سُقتها من كتاب اللَّه العزيز، لم آتِ بها على سبيل الاستقصاء، ولا أوردتها من قبيل الانتقاء، وإنَّمَا هي حصاد مطالعات في كتب التفسير وعلوم القرآن سقتها مرتبة على حروف الهجاء، وبعد أن استخرجت ما تفرق من فرائد المفسرين مما يُثنى وُيؤثر، وممن أنف أن يلجّ من غير بيّنة ويستطيل مجتهداً، ومن حق العلم ألا يُداجى فيه وراعيت فيما اجتهدت ما ساعدتْني عليه اللغة، وأرشدني إليه السياق، ومن وضوح الإشارة، واحتمال الدلالة مع المُلاطفة والإكثاب من غير إكراه ولا إغصاب. يتساهم ذوو النظر التأمل فيها والبحث عن سرها ومستودعها ليكون لهم سهم منها وحصة فيها. وكما قال الطائي الكبير:
*كم ترك الأول للآخر*
فكتاب اللَّه لا تزال تظهر غرائبه، وتنكشف عجائبه على مر العصور، ففي حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيح (¬1) أنه لما سأل عليها هل خصم رسول اللَّه بشيء، قال لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه اللَّه رجلاً في كتاب اللَّه، فالتضمين اجتهاد يحدد مسار الفعل، ويلبي غرضه، ويفتح للنص آثاراً تعين على إدراك المزيد من احتمالاته، ويخلع على اللفظ روحاً ترفرف في جناحيه، وربما أخذوا على التضمين أنه غامض ولكن الحسن كذلك، وأنه مُحير ولكن السمو البياني كذلك، وأنه مخالف للمألوف، ولكن الحق كذلك.
¬_________
(¬1) البخاري في الجهاد 171، ومسلم في الإيمان 131.

الصفحة 14