كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)

الكلم" (¬1)، وفي رواية: "مفاتح" وهو ما هيأه اللَّه له من أسباب الفصاحة والبلاغة، والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن الألفاظ مما أُغلقت على غيره وتعذرت على سواه.
ولعل جيلنا المعاصر من أكثر الأجيال مسؤولية في مضاعفة الجهد، لينهض من عِثاره، ويدفع شبح الخوف عن نفسه، حين يستعيد ثقته بذاته فلا يرضخ للإلْف، ولا يَعزِف عن التجديد، لقد رضي بالقابلية دون الفاعلية يردد آراء من سلف دون مراجعة أو إضافة. جيلنا بحاجة أن يحمل التَبِعة في كل مرافق الحياة، وأولها أمانة الكلمة، وأن يتشوّف إلى مَطمح عَصّي ومُرتقى صعب، ومَسلك شاق مَطْلبه عسير، فما أحاط باللغة إلا نبي، فاللغة أداة للتفكير، وليس التعبير إلا صورة عن قدرة المتكلم العقلية، تعكس كفاءته في مستوى الأداء، وتبين عن بنيته الفكرية أو النفسية، ولابد للمصدور من أن ينفث.
هذه عجوز في فناء خَيمتها يمر بها رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هجرته إلى المدينة مع أبي بكر ومولاه عامر (¬2)، ودليلهما عبد اللَّه بن أرقط، فلم يُصيبوا عندها شيئاً، إذ كان القوم مُسْنتين مُرْملين، فنظر رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شاة في كِسر الخيمة.
فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟
قالت: خلّفها الجَهد عن الغنم،
قال: هل بها من لبن؟
قالت: هي أجْهد من ذلك فإن رأيتَ بها حَلَباً فاحلبها،
فمسح بيده ضَرعها وسمَّى اللَّه فتفاجّت عليه، ودرَّتْ فاجترَّت، فحلب فَجّا حتى علاه البهاء، ثم سقاها وسقى أصحابه وشرب آخرهم ثم ارتحلوا عنها. فقلّما لبثتْ حتى جاء زوجها يسوق أعنُزا عِجافاً يَتسَاوَكن هُزالاً فلما رأى اللبن قال:
- من أين لك هذا والشاءُ عازب حائل ولا حَلوبَ في
¬_________
(¬1) البخاري في التعبير 11، ومسلم في المساجد 5.
(¬2) عامر بن فهيرة.

الصفحة 16