كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)

المرونة في تفسيره يتعاون عليه المعنى المعجمي، والمعنى الدلالي، والمقام. والمعنى الدلالي هذا لا يخضع لقاعدة، شأنه شأن الجمال لا يهتدي إليه إلا صاحب ملكة يغلب عليه طابع الاجتهاد في الاستنباط والتأمل الذاتي، ولذا فرّق علماء الأصول بين الدلالة الوضعية والدلالة الأصولية، وكذلك المقام بما يشتمل عليه من علاقات اجتماعية وعقلية، وذوقية، وعاطفية متشعبة لا يفهمها إلا أبناء بيئتها.
ومن العقبات التي اعترضت عدداً من المفسرين هي ما أخذوه من السِّريان في طريقة شرح متونهم والتي اعتمدت على شرح الكلمات المفردة، وإيضاح مدلولها دون اللجوء إلى شرح الهيكل العام لأفكار المتن ونظرته الشاملة، فحبسوا أنفسهم وقرَّاءهم في أسْر المفردات، وشقَّ على من يتصدى بعدهم للإحاطة بمعالم الفكرة العامة والتي اختفت وراء دلالات الألفاظ المفردة، ولعل الدراسات الحديثة للتخصص في النحو اليوم تقف على هذه النظرة الشمولية للنص لفهم التراث.
والتضمين مفتاح من مفاتيح هذه اللغة الشريفة، وسر من أسرارها، يفترُّ عن بديعة، ويُفضي إلى لطيفة، وهو من طريف ما استودعته هذه اللغة نجواها، لأنه أذهب في الإيجاز وأجمع لخصائص الصنعة، وفيه من الإيماء والتلويح ما ليس في المكاشفة والتصريح، وذلك أحلى وأعذب.
فالتضمين يجعل من اللفظ رعشات بيان من نور المادة اللغوية كأنه ينبوع يتدفق أو جدول ماء يترقرق، ليبدع معاني جديدة ويخلع على اللفظ أثواباً بهيجة، فمن أدام فيه النظر ثم صبر ذاق لذة الاستمتاع به، كالشهد من ذاق عرف.
والذين عطّلوه في الفعل أو مشتقه وجعلوه في الحروف، وأن بعضها ينوب عن بعض هكذا بلا مُسوغ ولا دليل يدّعونه أو ينتحلونه، نزُرت من

الصفحة 20