كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)
والعربية - أشرف اللغات إذ نزل بها خير الكتب على أعظم الأنبياء- كانت وستبقى حضارة، يضيق عنها الوصف، وينحسر عنها الكَلِم فلا يكادُ يبين.
وحين تمت المشيئة الإلهية لهذا الإنسان أن يكون خليفة في الأرض علمه الأسماء كلها، جهزه للمَهَّمَةِ الضخمة التي سيكلها إليه، متّعه بالحسّ اليقظ، والبصيرة المفتوحة، وخصه بسر القدرة على الرمز بالأسماء. أمده باللغة التي لم يُجهز بها الملائكة من قبله ما داموا مخلوقين لغير ما خُلق له، فكانت مَعلاة له، شاهدةً بفضله، وباتت وسيلة تساعده على تكييف سلوكه مع ما جاء فيها من أوامر اللَّه ونواهيه، وصارت لوسيع مذاهبها، وبديع مناحيها، من أفضل وسائل التربية والتهذيب دون مُنازع. عبقريتها في صياغتها، وأسرارُ جمالها في خصائص تركيبها، وكفاءتُها العالية في تشقيق المعنى إلى فروعه: الوظيفي والاجتماعي والمعجمي ..
جهّزه بالكلمة مَخزن فكر ويُنبوع روح، كل ما فيها يتندَّى، فهي أبداً في تَهطال، وتظل الكلمة بِذرة يلقيها صَناع في رحِم الزمن لتُنبت الشجرة .. هي السِدرة تعطي ثم تعطي مما اختزنت من مَعالِم وصورِ وحَيَوات .. وأيُّ حياة أعز من حياة الفِكَر!
والكلمة لا معنى لها إلا إذا سلكناها في نظم وأدرجناها في عبارة، نصيب بها الغرض نُقيمها على أسلوب، ونُديرها على طريقة في صياغة فنية تجعل لها صلة بالحياة فتؤدي غرضها حين تكشف عن حقيقة، وهي أوسع منها، ولو حُدّت بها لما بقيت حقيقة، وإن كثرة مدلولاتها تتفق مع طريقة عرضها وأسلوب أدائها، كلما زدتها فكراً زادتك معنى فهي معك على قدْر ما أنت معها. إن وقفتَ على حد وقفتْ، وإن تماديتَ تمادتْ، وما أدَّيت بها تأدَّت، فهي من لسانِ وراءه قلب .. فصور الربيع بعدد أزهاره، وصور الإيمان تكاد تكون بعدد شعبه.
الصفحة 6
736