كتاب الشاذ والمنكر وزيادة الثقة - موازنة بين المتقدمين والمتأخرين

الحديث الحسن حتى قال ابن الصلاح معقباً على أقوال أهل العلم:
" كل هذه مُستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح " (¬1).
وكاختلافهم في تعريف المنكر والشاذ، فبعضهم سوى بينهما، وبعضهم غَفّلَ من سوى بينهما.
وكاختلافهم في قبول زيادة الثقة، أو ردها، فبعضهم قبلها مطلقاً، وبعضهم ردها مطلقاً، وبعضهم فصل في ذلك، وهلمّ جرا.
وهذا الاختلاف يدلل على كون الاستقراء لم يكن تاماً، وأنه كان اجتهادياً تختلف فيه مناظير العلماء وآراؤهم، ولو كان تاماً ثابتاً قائماً على أسسٍ بينةٍ واضحةٍ لا تقبل الشك والجدل لما اختلفت الأقوال إلى هذا الحد فنرى واحداً يثبت والأخر ينفي، من نحو تعارض الوصل والإرسال مثلاً، فبعضهم قدم الوصل مطلقاً والآخر قدم الإرسال مطلقاً فأيهما هو صنيع الأئمة المتقدمين؟!
إذن: "القواعد المقررة في مصطلح الحديث منها ما يذكر فيه خلاف، ولا يحقق الحق فيه تحقيقاً واضحاً، وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية " (¬2).
ولما كانت الحقيقة واحدة لا تتجزأ، ثم تختلف فيها الآراء فهذا يعني أن يكون أحد هذه الآراء صواباً، أو تكون كلها خطأً لان الحقيقة لا تكون اثنين!!
فإذا كانت كتب المصطلح قد كُتبت على وفق استقراء ظني اجتهادي ثم ما برحت أن تحولت تلك الآراء الظنية إلى قواعد يُحاكم عليها الأئمة المتقدمون، فنجد حينئذٍ من يقول: إن الإمام أحمد يُسوّي بين الفرد المطلق والمنكر؟! وكذا الحافظ أبي بكر البرديجي؟! وهو - عندهم - يناقض صنيع الأئمة الآخرين من أقرانه كالإمام البخاري وأبي حاتم، وغيرهما الذين يفرقون بينهم!! ثم أسهبوا في هذا الأمر وطولوا.
¬_________
(¬1) مقدمة ابن صلاح ص29، وللمزيد: انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 574، والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر 1/ 424 - 429.
(¬2) المعلمي اليماني، مقدمة تحقيق الفوائد المجموعة للإمام الشوكاني ص9.

الصفحة 8