كتاب البصيرة في الدعوة إلى الله

ومن نفائس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب، والذي يمثل قاعدة عند أهل السنة والجماعة قوله: " وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية؛ بل «لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وغضب لذلك غضبا شديدا» (¬1) .
وقال رحمه الله: " فهذان الاسمان: المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان، جاء بهما الكتاب والسنة، وسماهما الله بهما، كما سمانا المسلمين من قبلُ، وفي هذا.
وانتساب الرجل إلى المهاجرين أو الأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى، ثم - مع هذا - لما دعا كل منهما طائفته منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسماها: (دعوى الجاهلية) حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان، لم يصدر ذلك من الجماعة؛ فأمر بمنع الظالم، وإعانة المظلوم، ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فِعْلَ أهل الجاهلية، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب " (¬2) .
فيا لله والإسلام من واقعنا الذي تفرق فيه أهل الإسلام إلى طوائف وفرق وجماعات ومذاهب، كل واحدة ترفع شعارا واسما ومنهجا وطريقة تخالف الأخرى، بل إن بعض أصحاب الجماعة الواحدة لأدنى اختلاف ينشب بين رموزها وقد يكون حول أفكار أو رؤى يسعها الخلاف، لا يلبث أن تشتعل بينهم حربُ مصطلحات ومسميات، ويتفرقون إلى جماعتين أو حزبين، ترمي كل واحدة منهما الأخرى بفظائع الأمور، وتبالغ في التنقص منها، وقد يصل الأمر إلى إخراجها من دائرة الإسلام، وسبب هذا مخبآت النفوس والضمائر والذي كَمُنَ فيها تقديس الذات وحب الشهرة
¬_________
(¬1) مجموع الفتاوى (28 / 324) .
(¬2) اقتضاء الصراط المستقيم (1 / 241) .

الصفحة 28