كتاب البصيرة في الدعوة إلى الله

وقال ابن وهب رحمه الله: سمعت مالكا يقول: العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، وكان يقال: التأني من الله والعجلة من الشيطان.
وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
وقال يحيى بن سعيد رحمه الله: كان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي فتيا، ولا يقول شيئا إلا قال: اللهم سلمني وسلم مني.
قال ابن معين رحمه الله: الذي يحدث بالبلدة وبها من هو أولى منه بالحديث فهو أحمق.
وقال أيضا: إذا رأيتني أحدث في بلدة فيها مثل علي بن مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق، وأمر يده على عارضيه.
وقال سفيان رحمه الله: أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بُدًّا من أن يفتوا.
وقال: أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها.
وبكى ربيعة رحمه الله، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم.
يقول الشعبي رحمه الله: والله، إني لأستحي أن أعرف الحق ثم لا أرجع إليه.
وقد يستغرب القارئ الكريم من كثرة نقلي عن السلف في هذا الأمر، وغرضي من ذلك إيقاف القارئ على حال السلف، رضوان الله عليهم أجمعين، وخوفهم من الفتوى، وهروبهم عنها، وتمنيهم لو أنهم كُفُوا من غيرهم، بخلاف ما نحن عليه في هذا الزمان من الجرأة العجيبة على الفتوى، والتقول على الله بغير علم من جهال لم يفقهوا، وجذعان لم يقرحوا، وأيضا التسرع لدى كثير من طلبة العلم في إصدار الفتاوى والأحكام من دون روية ولا دراسة، وقد تكون بعض الأحكام التي

الصفحة 66