كتاب البصيرة في الدعوة إلى الله

العامة للدين، ومعرفة أقوال أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لا سيما سلف الأمة، ومعرفة مقاصد الشريعة، والمصالح والمفاسد وضبطهما؛ لأنه يخاطب الناس، ويتحدث إلى شرائح متنوعة في المجتمعات، ويتعرض لمواقف كثيرة، ونوازل ومستجدات عظيمة، ولذلك تجد الملم بقواعد الدين وأصوله أقرب الناس إلى روح السلف الصالح، والألصق إلى لغتهم في التعبير ولهجتهم في الخطاب، فهو يعرف ما حقه التقديم، وما حقه التأخير، ويعرف خير الخيرين، وشر الشرين؛ فمعرفة الخير من الشر - في الواقع - لا تحتاج إلى إعمال فكر وتعب، ولا يتميز شخص عاقل بأنه يعرف الخير من الشر؛ فهذه تدرك بمقدمات العقول قبل أواخرها، وباستطاعة كل ذي عقل أن يدركها، فهي من البدهيات، إنما الذي يحتاج إلى إعمال فكر وتعب هو معرفة خير الخيرين، وشر الشرين، وأيهما أحق بالتقديم أو التأخير.
إن اللبيب إذا بدا من جسمه ... مرضان داوى الأكبرا
يقول ابن رجب رحمه الله: " فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد والرقائق، والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد في تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشُغل لمن بالعلم النافع عُني واشتغل " (¬1) .
والداعية الذي له صلة بالقواعد والضوابط الشرعية والأصول المرعية التي قعَّدها السلف الصالح - وهم الذين أُمرنا بالاقتداء بهم والسير على طريقهم - في جميع أموره وأحواله، ويجعلها منطلقا له في دعوته وتوجيهه الناس سيوفق بإذن الله، وقد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع.
¬_________
(¬1) فضل علم السلف على الخلف (ص 150) .

الصفحة 70