كتاب الجموع البهية للعقيدة السلفية

«كلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» (¬1) . وَالْعِلْمُ عِنْدَ الله تَعَالَى.] (¬2) .
وَقَالَ أَيْضا - رَحمَه الله -: [قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (أَعْلَامِ الموقعين عَن رب الْعَالمين) : ... الذِّكْرَ الْأَمْرِيَّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ أَمْرًا وَنَهْيًا، وَإِذْنًا وَعَفْوًا. كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ الْقَدَرِيَّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِهَا عِلْمًا وَكِتَابَةً وَقَدَرًا، فَعِلْمُهُ وَكِتَابَتُهُ وَقَدَرُهُ قَدْ أَحْصَى جَمِيعَ أَفْعَالِ عِبَادِهِ الْوَاقِعَةِ تَحْتَ التَّكْلِيفِ وَغَيْرِهَا. وَأَمْرُهُ نَهْيُهُ وَإِبَاحَتُهُ وَعَفْوُهُ قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ أَفْعَالِهِمُ التَّكْلِيفِيَّةِ، فَلَا يَخْرُجُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ عَنْ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ: إِمَّا الْكَوْنِيَّ، وَإِمَّا الشَّرْعِيَّ الْأَمْرِيَّ.
فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامِهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ جَمِيعَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَجَمِيعَ مَا نَهَى عَنْهُ، وَجَمِيعَ مَا أَحَلَّهُ، وَجَمِيعَ مَا حَرَّمَهُ، وَجَمِيعَ مَا عَفَا عَنْهُ. وَبِهَذَا يَكُونُ دِينُهُ كَامِلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} ... ] (¬3) .
- مِثَال على الْأَمر الكوني القدري.
[وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ النَّارَ بِأَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ أَنْ تَكُونَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَنْجَاهُ مِنْ تِلْكَ النَّارِ. لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُونِى بَرْداً} يَدُلُّ عَلَى سَلَامَتِهِ مِنْ حرِّها. وَقَوْلَهُ: {وَسَلَاماً} . يَدُلُّ عَلَى سَلَامَتِهِ مِنْ شرِّ بَرْدِهَا الَّذِي انْقَلَبَتِ الْحَرَارَةُ إِلَيْهِ. وَإِنْجَاؤُهُ إِيَّاهُ مِنْهَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ هُنَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي «الْعَنْكَبُوتِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} وَأَشَارَ إِلَى
¬_________
(¬1) - أخرجه البُخَارِيّ (4/1891) (4666) ، وَمُسلم (4/2039) (2647) من حَدِيث عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -.
(¬2) - 7/676 - 677، الذاريات / 56.
(¬3) - 4/711، الْأَنْبِيَاء / 78، 79.

الصفحة 700