كتاب الجموع البهية للعقيدة السلفية

ذَلِك هُنَا بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً} .] (¬1) .

- الْفرق والمذاهب فِي الْقدر.
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة - رَحمَه الله -: [قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، فِي مُذَكِّرَةِ الدِّرَاسَةِ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وقدَّر عَلَى قَوْمٍ مِنْكُمُ الْكُفْرَ، وَعَلَى قَوْمٍ مِنْكُمُ الْإِيمَانَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْدِي كُلًّا لِمَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: {وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى} فَيَسَّرَ الْكَافِرَ إِلَى الْعَمَلِ بِالْكُفْرِ، وَيَسَّرَ الْمُؤْمِنَ لِلْعَمَلِ بِالْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خلق لَهُ» (¬2) اهـ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا النَّصَّ مِنْ مَأْزِقِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ، وَأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ أَنَّ كلا بِقدر الله ومشيئته، كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْعَقِيدَةِ الْوَاسِطِيَّةِ: وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَسَطٌ بَيْنَ قَوْلِ: إِنَّ الْعَبْدَ مَجْبُورٌ عَلَى عَمَلِهِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ كَالْوَرَقَةِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ.
وَبَيْنَ قَوْلِ: إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِمَشِيئَتِهِ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَقْوَالَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ، الْأُولَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ الله فِرْعَوْن فِي
¬_________
(¬1) - 4/641، الْأَنْبِيَاء / 69، 70. وَانْظُر أَيْضا (3/442) (بني إِسْرَائِيل / 16) لمعْرِفَة الْكَلَام على الْأَمر فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} .
(¬2) - سبق تَخْرِيجه آنِفا.

الصفحة 701