كتاب الجموع البهية للعقيدة السلفية

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذُكر الْقَضَاءُ فأمسِكوا» (¬1) وَلَكِنْ عَلَى الْمُسْلِمِ النَّظَرُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ وَحْيٍ وَبَعَثَ مِنْ رُسُلٍ.
وَأَهَمُّ مَا فِي الْأَمْرِ هُوَ جَرْيُ الْأُمُورِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَدْ جَاءَ مَوْقِفٌ عَمَلِيٌّ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، يُوَضِّحُ حَقِيقَةَ الْقَدَرِ وَيُظْهِرُ غَايَةَ الْعِبَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَلكن اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
فَهُوَ تَعَالَى الَّذِي سَلَّمَ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّنَازُعِ وَالْفَشَلِ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} ، فَقَدْ أَجْرَى الْأَسْبَابَ عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ فَقَلَّلَ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَعْيُنِ الْآخَرِ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ مَفْعُولًا، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُنْتَهَى، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} ، وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى.] (¬2) .

- الرَّد على مَذْهَب الجبرية، وَتَقْرِير مَذْهَب السّلف.
[مُرَادَ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِمْ {لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} وَقَوْلِهِمْ {لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا} مُرَادَهُمْ بِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَهِدَايَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الشِّرْكِ. دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنه رَاض مِنْهُم
¬_________
(¬1) - رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (10/198) (10448) ، والْحَارث فِي "مُسْنده" (2/748 - بغية) (1427) من حَدِيث ابْن مَسْعُود بِلَفْظ " إِذا ذكر الْقدر فامسكوا " وَحسنه الْحَافِظ فِي الْفَتْح (11/477) وَله شَوَاهِد عَن ثَوْبَان وَغَيره، والْحَدِيث صَححهُ الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله - وَانْظُر الصَّحِيحَة (34) .
(¬2) - 8/332: 337، التغابن / 2: 4.

الصفحة 706