كتاب الجموع البهية للعقيدة السلفية

الْعَبْدِ، سُبْحَانَهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يَقَعَ فِي ملكه شَيْء بِدُونِ مشيئتها وَتَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا! .] (¬1) .
وَقَالَ أَيْضا - رَحمَه الله -: [احْتج مَالك رَحمَه الله بِهَذِهِ الْآيَة - أَي قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصلاةِ وَالزكاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} - عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَا أَشَدَّهَا عَلَى أَهْلِ الْقَدَرِ. أَخْبَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا قُضِيَ مِنْ أَمْرِهِ وَبِمَا هُوَ كَائِن إِلَى أَن ... يَمُوت اهـ.] (¬2) .

- بَيَان أَن الْأَخْذ بالأسباب لَا يُنَافِي التَّوَكُّل.
[أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} أَنَّ السَّعْيَ وَالتَّسَبُّبَ فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ أَمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، وَهَذَا أَمْرٌ كَالْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فِي الدُّنْيَا أَمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَتَعَاطَى السَّبَبَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ مَعَ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مَا يَشَاءُ اللَّهُ وُقُوعَهُ. فَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ، عَالِمٌ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَخَلُّفَ تَأْثِيرِ الْأَسْبَاب عَن مسبباتها لتخلف.
¬_________
(¬1) - 4/44، الْكَهْف / 17. وَانْظُر أَيْضا: (3/543) (بني إِسْرَائِيل / 46) ، (4/99) (الْكَهْف / 28) ، (4/476) (طه/69) .
(¬2) - 4/296، مَرْيَم / 30: 33.

الصفحة 712