كتاب السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم

وفي حديث المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هذا (¬1) ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يفعل في مغازيه من هذا ما هو مشهور (¬2) ؛
فالإيثار بالحظوظ محمود غير مضاد لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «ابدأ بنفسكَ ثم بمن تعُولُ» (¬3) ، بل يحمل على الاستقامة في حالتين.
فهؤلاء والذين قبلهم لم يقيدوا أنفسهم بالحظوظ العاجلة، وما أخذوا
¬_________
(¬1) أخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب مناقب الأنصار (باب إخاء النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار) (رقم 3782) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخيل. قال: لا. قال: يكفوننا المئونة، ويشركوننا في الثمر. قالوا: سمعنا وأطعنا» .
وأخرج البخاري في «صحيحه» (رقم 3781) ، في الكتاب والباب السابقين، وفي (باب كيف آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه) من الكتاب نفسه (رقم 3937) ، ومسلم في «صحيحه» في كتاب النكاح (باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ... ) (رقم 1427) ، وغيرهما من حديث أنس؛ قال: «قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق؛ فربح شيئاً من إقط وسمن ... » .
(¬2) قلت: أكتفي هنا بذكر مثالٍ واحدٍ وقع في غزوة تبوك؛ فقد أخرج مسلم في «صحيحه» في كتاب الإيمان (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً) (1/55- 56 رقم 27) بسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتى همّ بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسول الله! لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها، قال: ففعل، فجاء ذو البُرِّ ببُرِّه، وذو التمر بتمره. قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواه. قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها. قلت: حتى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: «أشهد أن لا إله إلا الله، لا يلقى بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة» .

وأخرجه أحمد في «مسنده» (3/11) ، وقد تكلم بعضهم في صحة هذا الحديث بكلامٍ متعقب. انظر: «شرح النووي على صحيح مسلم» (1/221-223) .
(¬3) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى) (4/294 رقم 1427) ، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى) (2/717 رقم 1034) عن حكيم بن حزام، رفعه.

الصفحة 16