كتاب السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم

وجاءه قيّمُه في أرضه فقال: يا أبا حمزة عطِشَت أرضك، فتردَّى -أي: لبس رداءَه- ثم خرج إلى البرية، ثم صلى ما قضى الله له، ثم دعا فثارت سحابة فجاءت وغشيَت أرضَه، ومطَرت حتى ملأت صهريزة له، وذلك في الصيف فأرسل بعض أهله، فقال: انظروا أين بلغت، فإذا هي لم تَعدُ أرضه (¬1) .
والمال الآخر، هو: النقد المدّخر وغيره، ثم إن من كره المال إنما كرهه للحساب عليه، وكون الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يومٍ، وهو خمس مئةِ عامٍ (¬2) ، ولكن كان سفيان الثوريُّ -رحمه الله- يقول: لأن أخلف عشرة آلاف درهمٍ يحاسبني اللهُ عليها أحبُّ إليَّ من أن أحتاجَ إلى الناس (¬3) ، ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك إن تذرَ ورثتك أغنياءَ خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس» (¬4) .
وقال الثوريُّ مرةً لمن عاتبه في تقليب الدنانير: دعنا عنك فإنه لولا هذه لتمندلَ الناس بنا تمندلاً (¬5) .
بل جاء عنه أنه قال: المال في هذا الزمان سلاح المؤمن (¬6) .
ونحوه قولُ ابن عيينةَ -رحمه الله-: من كان له مال فليُصْلحه، فإنكم في زمانٍ مَنْ احتاج فيه إلى الناس؛ فإنَّ أول ما يبذله دِينه (¬7) .
وكأنَّ السُفيانَين رحمهما الله أشارا إلى ما يُروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا كان آخر الزمان لا بدَّ للناس فيها من الدراهم والدنانير، يُقيم الرجل فيها دينه
¬_________
(¬1) مضى تخريجه (ص 164) .
(¬2) مضى تخريجه (ص 24) .
(¬3) مضى تخريجه (ص 169) .
(¬4) مضى تخريجه (ص 169) .
(¬5) مضى تخريجه (ص 170) .
(¬6) مضى تخريجه (ص 170) .
(¬7) مضى تخريجه (ص 171) .

الصفحة 224