كتاب السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم
وفي الحديث: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم: أن تفتح عليكم الدنيا كما فُتحت على الذين من قبلكم ... » ، وفيه: «إن مما يُنبتُ الربيع ما يقتل حَبَطاً أو يُلِمّ» (¬1) .
وذلك كثير شهير في الكتاب والسنَّة، وسيأتي بعضه عند المصنف.
- ما فيه من التعرض لطول الحساب في الآخرة، وقد جاء: «إن حلالها حساب، وحرامها عذاب» (¬2) ، والعاقل يعلم أن طول الحساب نوع من العذاب، وأن سرعة الانصراف من الموقف إلى الجنة من أعظم المقاصد، وإن المال صادٌّ عن ذلك.
• متى يمدح المال؟
ونازع آخرون في ذلك؛ وقالوا عن الوجوه المذمومة السابقة: إنها حق، وهذا النظر الذي نظرتم إليه إلى المال والدنيا هو نظر مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا، من كونها متعرفاً للحق، ومستحقاً للشكر الواضع لها، بل إنما يعتبر فيها كونها كيساً ومقتنصاً للذات، ومآلاً للشهوات، انتظاماً في سلك البهائم، وهذا ظاهر للعيان من هذه الجهة، وهو على هذا الحال، قشرٌ بلا لبٍّ، ولعب بلا جد، وباطل بلا حق؛ لأن صاحب هذا النظر لم ينل منه إلا مأكولاً، ومشروباً، وملبوساً، ومنكوحاً، ومركوباً، من غير زائد، ثم يزول عن قريب، فلا يبقى منه شيء، فذلك كأضغاث أحلام، وهذا هو نظر الكفار (¬3) أصالة، وأما المؤمنون فهم
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب الصدقة على اليتامى) (رقم 1495) ، وكتاب الرقاق (باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها) (6724) من حديث أبي سعيد الخدري.
(¬2) سيأتي تخريجه في التعليق على رسالة المصنف.
(¬3) أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أننا سنتبع سننهم -أعني: اليهود والنصارى-، وهم منغمسون بالملذات، وهذا واقع اليوم بلا دافع، وهذه المضاهاة هي أخطر ما تصيب الأمة على الإطلاق، وعدم معرفة (فقه المفاضلة) المذكورة يسبب ويلات على الأمة، سلباً وإيجاباً، ولذا فعزة أمتنا ورفعتها بتعلّم أحكام دينها، والخطورة كل الخطورة في تناول الأحكام تناولاً أولياً من نص واحد، وإهدار سائر النصوص، أو عدم اعتبار ما جاءت به الشريعة من تحقيق مقاصد معتبرة، وتأمل ما سيأتيك تجد مثالاً مهماً على هذا الإجمال، والله المستعان.
الصفحة 8
273