كتاب المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة

ذلك الحال ويفرغه على الرجل الذي يريد تكميله، فيسري فيه ذلك فيكمل حاله حينئذ فهذا هو الإلباس المعروف عندنا وعند المحققين. وقال الشعراني: إن السر في لبس الخرقة عند الكمل من العارفين أنهم يخلعون على المريد الصادق جميع الأخلاق المحمدية حين إلباسهم له قلنسوة أو قميصا، وينزعون منه حال أمرهم له بنزع قلنسوته مثلاً جميع الأخلاق الردية، فلا يحتاج ذلك المريد بعد ذلك اللباس إلى معالجة خلق من الأخلاق الشريفة، بل تصير سجيته تعطي الأخلاق الحسنة من غير تكلف. وأما إلباسها لغير العارفين فإنما ذلك تبركاً وتشبهًا بالقوم لا غير، ففي الحديث يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا وتنفّروا.
قال الفاسي: عن نور الحدق الخرقة أقسام خرقة إرادة أعني قدوة ولا تبذل إلا لأهل الزي وصحبة وتبرك وسند، وهذه الثلاثة تبذل لطالبها من أهل الزي وغيرهم وخرقة تشبه ولا يطالب صاحبها بالشروط بل يلزم حدود الشرع ومخالطة أهل الخير والفقراء، لتعود بركتهم عليه ويتأدب بِأدبهم وهي مبذولة لكل طالب أيضا، ولها بركة عظيمة إذ ورد: من تشبّه بقوم فهو منهم. ثم قال: وللأب أن يجيز ابنه قبل البلوغ على لبس الخرقة كلها من نفسه أو من غيره - انتهى.
قال الفاسي: المعتبر في لباس الخرقة الشريفة كثرة المشائخ إذ بكثرتهم يكثر أنواع الخير - انتهى. يعني به تنزل السند. وقال الحافظ أبو بكر بن ناصر: النزول في سند الصوفية ضد العلو في سند المحدثين، لأن النزول في هذا علو عند العارفين لتضاعف البركة من كثرة أيدي الصالحين. وقال: علماء الصوفية والمشائخ المحققون بالأحوال الذين أفادهم العلم بعلم الدراسة علم الوراثة يجذبون قلوب الصادقين وهم جنود الله في الأرض، ولكن يستفاد بطريق الصحبة كالبدر الذي أودع الله

الصفحة 367