كتاب مختصر منهاج السنة

عُمَرَ، وَيَقُولُونَ: وَاثَارَاتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَيُعَظِّمُونَ كَافِرًا مَجُوسِيًّا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ قَتَلَ عُمَرَ - رَضِيَ الله عنه -.
ومن حماقاتهم إِظْهَارُهُمْ لِمَا يَجْعَلُونَهُ مَشْهَدًا، فَكَمْ كَذَّبُوا النَّاسَ، وَادَّعَوْا أَنَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَيِّتًا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ مَقْتُولًا، فَيَبْنُونَ ذَلِكَ مشهدا، وقد يكون ذلك كافرا أَوْ قَبْرَ بَعْضِ النَّاسِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِعَلَامَاتٍ كَثِيرَةٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُقُوبَةَ الدَّوَابِّ الْمُسَمَّاةِ بِذَلِكَ وَنَحْوُ هَذَا الْفِعْلِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ فِعْلِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّا لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نُعَاقِبَ فِرْعَوْنَ وَأَبَا لَهَبٍ وَأَبَا جَهْلٍ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ مِثْلَ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ لَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ إِذَا قُتِلَ كَافِرٌ، يَجُوزُ قَتْلُهُ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، لَمْ يَجُزْ بَعْدَ قَتْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَنْ يمثل به فلا يشق بطنه أو يُجْدَعُ أَنْفُهُ وَأُذُنُهُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ.
فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَقَالَ: ((اغزو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغْلُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا، وَلِيدًا)) (¬1) وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ فِي خُطْبَتِهِ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ (¬2) .
مَعَ أن التمثيل بالكافر بعد موته فيه نكاية بالعدو، ولكن نهى عنه لأنه زِيَادَةُ إِيذَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ كَفُّ شره بقتله، وقد حصل. فهؤلاء الذين بيغضونهم لَوْ كَانُوا كُفَّارًا وَقَدْ مَاتُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَنْ يُمَثِّلُوا بِأَبْدَانِهِمْ، لَا يَضْرِبُونَهُمْ، وَلَا يَشُقُّونَ بُطُونَهُمْ وَلَا يَنْتِفُونَ شُعُورَهُمْ، مع أن في ذلك نكاية فيهم. أما إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِهِمْ ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إِلَيْهِمْ كَانَ غَايَةَ الْجَهْلِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بِمُحَرَّمٍ كَالشَّاةِ الَّتِي يَحْرُمُ إِيذَاؤُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَفْعَلُونَ مَا لَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهِ مَنْفَعَةٌ أَصْلًا بَلْ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، والآخرة، مع تضمنه غاية الحمق والجهل.
¬_________
(¬1) انظره في مسلم ج3ص1356
(¬2) انظر سنن أبي داود ج3ص72 والدارمي ج1ص390.

الصفحة 25