كتاب مختصر منهاج السنة

وَمِنْ حَمَاقَتِهِمْ إِقَامَةُ الْمَأْتَمِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْ سِنِينَ عَدِيدَةٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَقْتُولَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَوْتَى إِذَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِهِمْ عَقِبَ مَوْتِهِمْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ... ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)) (¬1) . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عنه أنه برئ من الحالقة والصالقة والشاقة (¬2) . فالحالقة لتي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ بِالْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قال: ((من نيح عليه فإنه يعذب، بما نيح عليه)) (¬3) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مِنْ جَرَبٍ، وَسِرْبَالًا مِنْ قطران)) (¬4) .
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَهَؤُلَاءِ يَأْتُونَ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وغير ذلك من المنكرات بعد الموت بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ مَا لَوْ فَعَلُوهُ عَقِبَ مَوْتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَكَيْفَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ؟ .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ، قُتِلَ أَبُوهُ ظُلْمًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَكَانَ قَتْلُهُ أَوَّلَ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَضْعَافُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ.
وَقُتِلَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَمَاتَ، وَمَا فعل أحد مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ مَأْتَمًا وَلَا نِيَاحَةً عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا قَتِيلٍ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ قَتْلِهِ، إِلَّا هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى
الَّذِينَ لَوْ كانوا من الطير لكانوا
¬_________
(¬1) انظر البخاري ج2ص82. في أماكن متعددة ومسلم ج1ص99.
(¬2) البخاري ج2ص81 ومواضع أخرى. ومسلم ج1ص100.
(¬3) انظر مسلم ج2ص644 والبخاري ج2ص80. ...
(¬4) انظره في مسلم ج 2 ص 644.

الصفحة 26