كتاب مختصر منهاج السنة
((اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ)) (¬1) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَى الْكُوفَةِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ سَعْدٍ، فَكَانَ النَّاسُ
يُثْنُونَ خَيْرًا، حَتَّى سُئل عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ فَقَالَ: أَمَّا إِذْ أَنْشَدْتُمُونَا سَعْدًا، فَكَانَ لَا يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ. فَقَالَ سَعْدٌ: ((اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَعَظِّمْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ)) فَكَانَ يُرَى وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، تَدَلَّى حَاجِبَاهُ مِنَ الْكِبَرِ، يَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي يَغْمِزُهُنَّ فِي الطُّرُقَاتِ، وَيَقُولُ: ((شَيْخٌ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد)) (¬2) .
مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، فَتَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الصِّحَّةِ، مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، كَدُعَائِهِ عَلَى أَنَسٍ بالبَرَص، وَدُعَائِهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِالْعَمَى.
(فصل)
قال الرافضي: ((السابع: أنه لما توجه إلى صفِّين لحق أصحابه عَطَشٌ، فعَدَل بِهِمْ قَلِيلًا، فَلَاحَ لَهُمْ دَيْرٌ، فَصَاحُوا بِسَاكِنِهِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْمَاءِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُوتَى مَا يَكْفِينِي كُلَّ شَهْرٍ عَلَى التَّقْتِيرِ لِتَلِفْتُ عَطَشًا، فَأَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ الدَّيْرِ، وَأَمَرَ بِكَشْفِهِ، فَوَجَدُوا صَخْرَةً عَظِيمَةً، فَعَجِزُوا عَنْ إِزَالَتِهَا، فَقَلَعَهَا وَحْدَهُ، ثُمَّ شَرِبُوا الْمَاءَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ الرَّاهِبُ، فَقَالَ: أَنْتَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَك مُقَرَّبٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي وصيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الدَّيْرَ بُنى عَلَى طَالِبِ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، وَمَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِهَا، وَقَدْ مَضَى جَمَاعَةٌ قَبْلِي لَمْ يُدْرِكُوهُ. وَكَانَ الرَّاهِبُ مِنْ جُمْلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَهُ، وَنَظَمَ الْقِصَّةَ السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي يَظُنُّهَا الْجُهَّالُ مِنْ أَعْظَمِ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ. بَلِ الَّذِي وَضَعَ هَذِهِ كَانَ جَاهِلًا بِفَضْلِ عَلِيٍّ، وَبِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمَمَادِحِ؛ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ مِنَ الْمَنْقَبَةِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى صخرةٍ فَوَجَدُوا تَحْتَهَا الْمَاءَ، وَأَنَّهُ قَلَعَهَا.
وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي لِخَلْقٍ كَثِيرٍ، عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، بَلْ فِي الْمُحِبِّينَ لأبي بكر وعمر
¬_________
(¬1) قال المحب الطبري أخرجه أبو عمر وأبو الفرج في الصفوة انظر الرياض ج4 ص 324. رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص500.
(¬2) مسلم ج1 ص 334.
الصفحة 479