كتاب مختصر منهاج السنة

وَأَمَّا الدَّلَالَةُ، فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ: ((بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي)) أَخْبَرَ أَنَّهُمَا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا. فَلَوْ كَانَا ظالمَيْن أَوْ كَافِرَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا بَعْدَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالظَّالِمِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ قُدْوَةً يُؤْتَمُّ بِهِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (¬1) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّالِمَ لَا يُؤْتَمُّ بِهِ، وَالِائْتِمَامُ هُوَ الِاقْتِدَاءُ، فَلَمَّا أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بعده، والاقتداء هو الائتمام، مع إخبراره أَنَّهُمَا يَكُونَانِ بَعْدَهُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا إِمَامَانِ قَدْ أُمِرَ بِالِائْتِمَامِ بِهِمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((اخْتَلَفَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الأحكام)) فليس الأمر كذلك، بل لَا يَكَادُ يُعْرَفُ اخْتِلَافُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَحَدِهِمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، كَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ، فَإِنَّ عُمَرَ عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَقَوْلِ أبي بكر.
وأما قوله: أصحابي كالنجوم. الخ.. فَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ بَعْدِي، وَالْحُجَّةُ هُنَاكَ قَوْلُهُ: بَعْدِي، وَأَيْضًا ليس فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بالاقتداء بهم.

(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الثَّالِثُ: مَا وَرَدَ فِيهِ من الفضائل كآية الغار، وقوله تعالى: { (وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى} ((¬2) ، وَقَوْلُهُ: { (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ اْلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (} (¬3) . والداعي هو أبو بكر: كان أَنِيسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْفَقَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ)) .
قَالَ: ((وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ لَهُ فِي الْغَارِ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ لِقَوْلِهِ: (لاَ تَحْزَنْ (فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وعدم رضاه بِمُسَاوَاتِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِقَضَاءِ الله وقدره، ولأن الحزن إن
¬_________
(¬1) الآية 124 من سورة البقرة.
(¬2) الآية 17 من سورة الليل.
(¬3) الآية17 من سورة الفتح.

الصفحة 509