كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

الغلام فإذا هو قائم وقنديل يسرج فقلت لها سألتك بحق كذا وكذا الذي كنت تخصيني به خصي به هذا الغلام متى كنت أؤمل أن أنظر أو أرى مثل هذا هذا ولي من أولياء الله فلما أصبحنا خرجت أنا والغلام إلى المسجد فلم نزل إلى أن صلينا العشاء الآخرة ثم نهضت ونهض معي فأحببت الاعتذار إليه واعذر المرأة فقلت يا حبيبي إن المراة البارحة أنسيت تجيئك بطعام وسراج حتى مضى من الليل ما مضى وأطفأت السراج وجاءت تأوي إلي فراشها فذكرت أنها لم تأتك بطعام ولا سراج فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت وجاءتك بطعام وسراج فرأتك على حالة فرجعت إلي وأنبهتني من نومي ثم قالت لي إن هذا الغلام أنسيت أن أؤدي إليه طعاما وسراجا إلى هذا الوقت وأطفأت السراج وجئت آوى إلى فراشي فذكرته فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت فرأتك على حالة جميلة فقال لي يا قاسم عليك السلام فقلت له إلى أين تريد الساعة ولا أحد يذهب ولا يجئ فقد مضى من الليل ما مضى فلم أزل أتضرع إليه على أن يبيت عندي تلك الليلة ففعل وأجابني إلى ذلك فقمت إلى مزود (1) عندي فجعلت فيه فتيتا وركوة كانت لي وعشرة دراهم فلما أصبحنا غدوت وغدا الغلام معي إلى المسجد فلما صلينا الغداة نهض الغلام ونهضت معه فمضينا حتى صرنا إلى الموطأة فقلت له اين تومي فقال إلى بيت المقدس فقال لي ما مشيت معي اليوم وغدا وبعده أليس ترجع فقلت بلى فقال لي ارجع من ها هنا ولا تتغنى فقلت يا حبيبي خذ هذا الفتيت تشربه في الطريق وهذه الركوة تتوضأ فيها للصلاة وهذه العشرة دراهم أخبرك ما كان عندي غيرها ولكن يرزق الله فقال لي يا قاسم ما لي فيها حاجة وأقبلت أطلب إليه وأتملقه فبعد حين أخذ الركوة فقال هذه أتوضأ فيها للصلاة وأذكرك بها فقلت فخذ هذا الفتيت وهذه الدراهم فأدخل يده في كمة فأخرج كفه مملوءة دنانير ثم قال لي يا قاسم من كان هذا معه أيش يعمل بدراهمك فأقبلت أنظر إلى الدنانير في كفه (2) ثم رمى بها إلى الأرض فنظرت إلى الموضع الذي رماه ثم التفت فإذا ليس بالغلام فقال أصحابه ما كان قاسم الجوعي يحدثنا في اليوم حديثين أو ثلاثة أكثره فلما رأى من الغلام تلك الليلة ما رأى لم يزل يحدثنا من غدوه إلى عشيه وعينيه في عين الغلام ما تطرف عنه
_________
(1) المزود: وعاء يجعل فيه الزاد
(2) في المختصر: في كمه

الصفحة 248