كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

يحيى (1)
(2) وأبو العشائر محمد بن خليل بن فارس قالوا أنا أبو القاسم بن أبي العلاء أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا أبو الحسن بن حذلم نا خالد بن روح نا هشام بن عمار نا ابن سعيد بن عبد العزيز عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كان يقول أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أحببتم وعندما تكرهون واعلموا أنه من لم يرض عن الله فيما كره لم يؤد إليه شكره فيما يحب وأحذركم الدنيا فإنها دار ابتدع الله خلقها بعلمه ليبلو فيها أعمال عباده فمن تكن الدنيا نيته ويكون عمله فيها لها لا يكون له في الآخرة نصيب ومن تكن الآخرة نيته ويكون (3) عمله في الدنيا لغيرها يكن له عمل في شغل العباد فراغا يطمئن إليه واعلموا أن الدنيا قلة لمن أكثر منها وكثرة لمن أقل منها وتهاون بها التماس ما عند الله فكأنما قد كان من الدنيا لم تكن وكأنما هو كائن من الآخرة لم يزل فعليكم بتقوى الله فتزودوها في مهلكم قبل شغلكم فإن أمركم إلى غيركم قد ولاه الله قبض أرواحكم فمن توفته رسل الله على معاصي الله فويل لتلك الأرواح التي خرجت من روح الدنيا وبرد شرابها ولين نعيمها فأبدلت به بؤسا لا يزول شقاؤه ولا يبرد حره ولا تخبو ناره وذلك لما كان من غفلتهم في الدنيا حتى نزل بهم الموت والله لهم عدو وهم له مسخطون فلا دنيا لهم بقيت ولا آخرة لهم صارت ولا الدنيا حين ذهبت كان يصيبهم منها ما بهم من نعيمها ولا الآخرة حين عاينوها أصابوا سرورها وأمنوا من عقوبتها ولكنهم أقلبوا بعد نعيم الدنيا إلى ضيق المنزل من جهنم فبادروا هذا الموت بالعمل الزكي فإنكم قد رأيتم ما يأتي آخر الدنيا حين يكون أحدكم قريبا للموت مستبسلا قد أيقن بالفراق والتقت الساق بالساق فصرن لتلك الأرواح التي خرجت من روح الدنيا وبرد شرابها إلى نزل الحميم ليس بذائق فيها شرابا ولاتتلاقى الجفون فيها بنوم أبدا فبادروا بأعمالكم آجالكم فإنكم عن قليل ميتون ألا ترون إلى من قد مات ما أبعد قراره وأنسى منزله وأفقره إلى العمل الصالح وأندمه على ما كان من شبابه وشدة اغتباطه بكل خير قدمه فالسعيد من اتعظ بغيره نسأل الله أن يجعل لنا ولكم في كل ما يرضى به عنا حظا ونصيبا وأن يجعل منقلبنا وإياكم إلى خير دائم لا يزول
_________
(1) تحرفت بالأصل إلى: " جنى " قارن مع مشيخة ابن عساكر 219 / ب
(2) بياض بالأصل
(3) بالأصل: ويكن

الصفحة 36