كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

يقال لها مريم وكانت امرأة صالحة وكانت من أخيار نساء بني إسرائيل وكانت توصف بجمال فائق وكانت امرأة كثيرة المال وكانت بها عاهة وكانت تستحيض الدهر كله لا تقدر على أن تتزوج للعاهة التي بها وكان يخطبها الملوك والأشراف فامتنعت من العاهة التي كانت بها وظنو أنها ترغب بنفسها وترفعها عنهم فأبغضوها وشينوها وكانت تكتم الذي بها فلما سمعت بعيسى واجتماع الناس عليه وما أظهر من الآيات والعجائب التي كان يتخذها بإذن الله من إشفاء المريض والزمن فحدثت المرأة نفسها وقالت لو أتيت هذا النبي الذي بعثه الله إلى بني إسرائيل فأستوصفه لذاتي لعل الله يشفيني به أو مسيت ثوبه أو شيئا من جسده لرجوت الله أن يشفيني الله به ويطهرني فأقبلت حتى دخلت في غمار الناس وقد ازدحم المرضى والزمنى على عيسى ابن مريم فدخلت متنكرة بينهم في أطمارها فلم تزل في الزحام حتى وصلت إليه فلما رأت نور وجهه وما ألبسه الله من هيبة سلطانه خافت وأدركها ما يدرك النساء من الحياء والخجل فتحيرت فلم تتقدم ولم تتأخر فلما ضاق بها أمرها تحولت من خلف عيسى فوضعت يدها على ثوب (1) عيسى فمسته ثم أسرعت فتوارت في الزحام والتفت عيسى ساعة مست ثوبه فقال لشمعون من مسني يا شمعون قال شمعون ومن لم يمسك الناس أكثر من ذلك فقال عيسى لقد مسني إنسان له في مسي أمل ونية ولقد أعطاه الله ما أمل ونوى فلما سمعت المرأة فرحت بذلك ثم دنت فأسفرت عن وجهها فقالت يا نبي الله أنا التي مستك وطهرني الله بطهرك وقد اجمعت على خلع الدنيا والزهد فيها وصحبتك والإنقطاع إليك فأقبلت على مالها فأنفقته في سبيل الله على ما كان يأمرها عيسى حتى أنفذته وصارت فقيرة من فقرائهم وتخلت للعبادة وتبتلت فكانت تعد من أصحاب عيسى ابن مريم وكان لا يصحب عيسى أحد إلا اختار الزهادة للذي أعطاه الله من الزهادة وكانت هذه الامرأة تعد في الحواريين فيما زعموا عدتهم ثلاثة عشر وكان رأس الحواريين سمعون وهو أول من آمن بعيسى فقال له وهو يغسل دراعة له من صوف فقال له يا سمعون هل أنت ناصر ربك قال نعم قال فقم معي فقام معه سمعون أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنا الحسن بن علي أنا أبو عمر بن حيوية أنا أحمد بن معروف أنا الحارث بن أبي أسامة أنا محمد بن سعد أنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال (2) كان بين ميلاد عيسى والنبي (صلى الله عليه وسلم)
_________
(1) تقرأ بالأصل: نور
(2) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1 / 53

الصفحة 57