كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

ابن الحسن نا الحسن بن علي القطان نا إسماعيل بن عيسى بن عطية السعدي وعبد الله ابن زياد بن سمعان قالا عن بعض من اسلم من أهل الكتاب أن عيسى ابن مريم لما اتخذ الآيات والعجائب كفروا به وأجمعوا على قتله وقالوا ساحر كذاب وكان سياحا يسيح في الأرض لا يأويه بيت ولا قرية عليه برنس له من شعر وإزار من شعر ونعلين من النعال السبتية وفي يده عصا مأواه حين يأتيه الليل سراجه ضوء القمر وظله ظلمة الليل وفراشه الأرض ووسادته حجر الأرض ونعله وركابه عشب الأرض ربما طوى الأيام جائعا إذا أصابته (1) الشدة فرح واستبشر وإذا أصابه الرخاء خاف وحزن وكان الله قد أوحى إليه يا عيسى ابن مريم أذكرني في الدنيا أذكرك في المعاد عبدي أكحل عينيك بملمول الحرث تتعظ لي في ساعة الليل أسمعني لدادة الإنجيل إذا دخلت مسجدا من مساجدي لتضطرب قليلا (2) خوفا مني ولتخشع جوارحك لي وقل لقومك إذا دخلوا مسجدا من مساجدي لا يدخلوا إلا بقلوب خائفة وأبصار خاشعة خافضة وأيد طاهرة من الدنس وأخبرهم أني لا أستجيب دعاء ظالم حتى يرد المظلمة إلى صاحبها يا عيسى إني ذاكر كل من ذكرني وألعن الظالمين إذا ذكروني يا عيسى لا تجالسن الخاطئين حتى يتوبوا فقال عيسى للحواريين يا معشر الحواريين لا تجالسوا الخاطئين فإن مجالسهم تقسي القلب وهي معصية الله حتى يتوبوا من المعاصي تقربوا إلى الله بمفارقتهم يا معشر الحواريين لا تحملوا علي اليوم هم غدا حسب كل يوم همه ولا يهتم أحدكم لرزق غد فإنكم لم تخلقوا لغد وإنما خلق غد (3) لكم فخالق الغد يأتيكم فيه بالرزق ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء من أين آكل ومن أين ألبس وإذا استقبله الصيف يقول من أين آكل ومن أين أشرب فإن كان لك في الشتاء بقاء فلك فيه رزق وإن كان لك في الصيف بقاء فلك فيه رزق ولا تحمل هم شتائك وصيفك على يومك حسب هم كل يوم بما فيه يا معشر الحواريين إن ابن آدم خلق في الدنيا في أربعة منازل فهو في ثلاثة منها بالله واثق وظنه بالله حسن وفي الرابعة سئ ظنه بربه يخاف خذلان الله إياه أما المنزلة الأولى فإنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم
_________
(1) بالأصل: أصابه
(2) بالأصل: قليل
(3) استدركت على هامش الأصل وبعدها صح

الصفحة 60