كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

بحكمته كمثل السراج يضئ من حوله وحرق نفسه ومثل الحكيم الذي يعمل بحكمته كمثل الأترجة (1) ريحها طيب وطعمها طيب وإن مثل الحكيم الذي لا يعمل بحكمته كمثل شجرة الدفلى (2) ورقها حسن وطعمها مر وإن مجالسة المؤمن الحكيم كمجالسة المسك إن لم يصبك منه شئ أصابك ريحه وإن مجالسة الرجل السوء بمنزلة مجالسة القبر إن لم يصبك شذاذه أصابك دخانه فإياكم وجالسة أهل المعاصي يا معشر الحواريين لا تصفوا البعوض عن شرابكم وتشترطوا القيلة تنزعون القذى من أعين الناس وتدعون العوارض في أعينكم تنظرون في ذنوب الناس كأنكم أرباب لا تنظروا في ذنوب الناس فالأرباب ما نظروا في ذنوبكم كالعبيد ما الناس إلا كالرجلين مبتلى ومعافى فارحموا صاحب البلاء واحمدوا الله على العافية يا معشر الحواريين إن الله قال لموسى يا موسى لا تحلف باسمي كاذبا وأمر موسى بني إسرائيل لا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ولكن قولوا نعم ولا يكفي بالكذب إثما وبالحلف غدرا يا بني إسرائيل كونوا حكماء علماء لا تضعوا الحكمة إلا عند أهلها ولا تكتموها أهلها فإنكم إن تكلمتم بالحكمة عند غير أهلها جهلتم وإن منعتموها أهلها فقد ظلمتموها فكونوا كالطيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع فقولوا الحكمة واعملوا بها واقبلوها ممن يقولها وإن أبغضتم قائلها واجتنبوا قول السوء وإن أحببتم قائله حبوا من أبغضكم وصلوا من قطعكم واعطو من حرمكم وصلوا على من لعنكم فإنكم إن كنتم تحبون من أحبكم وتعطون من أعطاكم كانت تلك مكافأة فليس لكم فضل على أحد ولكن أعطوا من منعكم وبروا بآبائكم وأمهاتكم ليصرف الله عنكم العسر وييسر لكم اليسر اعفو عن الناس يعف الله عنكم ألا ترون إلى ربكم كيف تشرق الشمس على أعدائه ويقسم رزقه لهم لا يحرمهم أرزاقهم لمعصيتهم إياه ويدعوهم إلى التوبة على أن يدخلهم الجنة واعلموا أن لكل كلمة حسنة أو سيئة جوابا تعطون جوابها يوم القيامة وإذا قرب أحدكم قربانه ليذبحه فيذكر أن أخاه
_________
(1) الأترجة: واحدة الأترج معروف حامضه مسكن غلمة النساء ويجلو اللون والكلف وقشره في الثياب يمنع ضرر السوس (تاج العروس)
(2) الدفلى: شجر مر الطعم جدا منه نهري ومنه بري ورقه كورق الحمقاء وقضبانه طول منبسطة على الأرض (تاج العروس)

الصفحة 63