كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 68)

يا صاحب العلم إن السارق إذا اطلع على شئ من عمله ووجدت عنده السرقة يكذب ذلك معذرته وتستبين للناس معرفته كذلك القارئ إذا عمل معصية الله استبان للناس أنه لا يريد بقراءته وجه الله يا صاحب العلم إن الزانية إذا حملت يفضحها حملها وكذلك يفتضح بالعمل من كان يغر الناس بالقول الحسن ويقول ما لا يفعل يا صاحب العلم إن النفس نور كل حي وإن الحكمة نور كل قلب وإن النفوس رأس كل حكمة والحق بابه كل خير ورحمة الله باب كل حق ومفتاح ذلك الدعاء والتضرع إلى الله وكيف يفتح باب بغير مفتاح يا صاحب العلم إن الرجل الحكيم لا يغرس في شجرة إلا شجرة يرضاها ولا يحمل على خيله إلا فرسا يرضاه ولا يحرث إلا ببذر يرضاه فكذلك المؤمن العالم لا يعمل الأعمال إلا برضا ربه يا صاحب العلم إن الصقالة تصلح السيف وتجلوه وكذلك الحكمة في قلب الحكيم مثل الماء في الأرض الميتة وهي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يضئ به الناس يا صاحب العلم إذا عرض لك الشيطان فقال كيف رفع الله السموات بغير عمد فقل إن لم تكن شهدت السموات كيف رفعت وبنيت فقد رأيت سماء مثلها سحابا ينشطها الله ثم يؤلف بينه في ساعة فيكون سماء دون هذه فبعث الله عليه شمسها وقمرها ثم يكشطها عن وجه السماء وكذلك يكشط الله عن وجه الأرض يوم القيامة يا صاحب العلم إن نقل الحجارة عن رؤوس الجبال أهون من أن تحدث من لا يقبل حديثك فيكون مثلك في ذلك كمثل الذي ينقع الحجارة في الماء لتلين وكمثل الذي يضع المائدة لأهل القبور وكمثل المغني عند الميت وكمثل الذي يريد أن يجتني العنب من الشوك يا صاحب العلم احبس الفضل من قولك الذي يخاف عليك المقت من ربك يا صاحب العلم لا تحدث حديثا إلا بحكمة تفهمه ولا تغبط أمرا في قوله حتى يستبين لك عمله يا صاحب العلم تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الجاهل ما علمت يا صاحب العلم عظم العلماء بعلمهم ودع منازعتهم ولا تصغر الجهال بجهلهم ولا تطروهم ولكن علمهم وقربهم يا صاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها يا

الصفحة 68