كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

إلأ أن رواية ذلك عن غير ابن عباس، يؤيد صحته وهذه المعاني التي صرح بها بعض السلف هي ما أراده الأئمة بعباراتهم التي نقلها عنهم البيهقي، فيما تقدم على أنهم يقصدون التفويض وليس كذلك.
قال أبو عمر بن عبد البر حافظ المغرب، وهو - كما هو معروف - من أئمة المالكية، فهو أعرف من غيره بما قصده مالك من عبارته السابقة - التي ذكرها البيهقي. قال أبو عمر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلّها في القرآن، والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك"1.
وقال القاضي أبو يعلى في بيان مقصد الأئمة من أمثال أقوالهم التي نقلها البيهقي: "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها، وأنها من صفات الله، لا تشبه بسائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد، وسائر الأئمة. وذكر كلام بعضهم في ذلك"2.
والخلاصة: إن المذهب الصحيح أن يقال في الصفات قول السلف رضي الله عنهم الذي تحقق أنه إجراء لنصوصها على ظاهرها فنثبتها إثباتاً حقيقياً، لا تمثيل فيه، ولا تحريف ولا تعطيل. فكما أن الله تعالى واحد في ربوبيته، وإلهيته، فهو واحد في صفاته، لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحد منهم.
__________
1 نقلاً عن الحموية الكبرى لابن تيمية، ضمن مجموع الرسائل الكبرى 1/452-453.
2 المصدر نسفه 1/454-455.

الصفحة 346