كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

فالاستواء إذاً ثابت لله تبارك وتعالى حقيقة فهو مستوى على عرشه بمعنى أنه عال ومرتفع عليه من غير حاجة منه سبحانه إليه، لأنه هو الذي خلقه وجعله أعلى المخلوقات ثم استوى عليه تبارك وتعالى.
ومذهب الإثبات هذا هو ما ذكره البيهقي عن أبي الحسن الطبري على أنه علو مكانة، وهي نظرة إلى هذا القول غير صائبة، إذ إنه رحمه الله قصد بذلك الإثبات على طريقة السلف، فهو عال بذاته على عرشه.
وإذا ثبت أن الله تبارك وتعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق سمواته وأعلى مخلوقاته، فقد ثبت بذلك إثبات جهة العلو لله تبارك وتعالى، وهذا الأمر - يعني إثبات الجهة لله تبارك وتعالى - قد نفاه البيهقي رحمه الله.
ذلك أنه حينما اختار القول بالتفويض في صفة الاستواء فوقف على اللفظ كما ورد به النص دون أن يتجاوز ذلك إلى تفسيره بالنسبة لله تبارك وتعالى - لأن ذلك في نظره من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله - أتى إلى الجهة الثابتة لله تبارك وتعالى ثبوتاً قطعياً فنفاها. وهاتان المسألتان - أعني الجهة والاستواء - بينهما صلة وثيقة لأن الجهة لازمة للاستواء.
يقوله - رحمه الله - مبيناً مذهبه في عدم إثبات جهة لله تبارك وتعالى: " ... لكنه مستو على عرشه كما أخبره، بلا كيف، بلا أين"1.
__________
1 الاعتقاد ص: 44.

الصفحة 347