كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

بمعنى أن الاستواء ثابت لله تبارك وتعالى خبراً، إلا أنه لا ينبغي لنا البحث عن معناه، لأن ذلك بحث في الكيف، كما أن الإشارة إليه بأين تؤدي إلى إثبات الجهة، ولا جهة له، لأننا إنما أثبتنا الاستواء لورود الخبر به، فأثبتناه لفظاً، مفوضين في المراد منه.
ويقول في موضع آخر: " ... فإنه عز وجل لا يرى في جهة كما يرى المخلوق ... وهو يتعالى عن جهة"1. وهذا تصريح بنفي الجهة.
ومن أبرز ما استدل به البيهقي على نفي الجهة والمكان عن الله سبحانه وتعالى حديث الادلاء، وهو ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون ما هذه التي فوقكم.." إلى أن قال: "والذي نفس محمّد بيده لو أنكم دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة لهبط على الله تبارك وتعالى"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} 2.
قال البيهقي: " ... والذي روي في آخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهر في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة والباطن فلا يصح إدرإكه بالكون في مكان.
واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" 3، وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان"4.
__________
1 الاعتقاد ص: 51.
2 سورة الحديد آية: 3.
3 رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء رقم: 2713، 4/2084.
4 الأسماء والصفات ص: 400.

الصفحة 348