كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

فكلّ ما تقدم يدلّ على نفي البيهقي للجهة، بل صريح في ذلك. أما النصوص الواردة بإثباتها فقد عمد البيهقي - رحمه الله - إلى تأويلها كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 1، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 2، وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} 3. أوّلها بأنها محمولة على ما ورد في آيات الاستواء، فيكون المعنى في الجميع: من على العرش4.
إلا أن إثباته أن الله على العرش إنما هو لموافقة الدليل المصرح بذلك مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وهو أمر أثبته البيهقي لفطاً فقط، وفوض في معناه، فيكون موقفه فيما أوّله على منوالها التفويض أيضاً، لأن الإحالة على معنى مفوض فيه تفويض كذلك.
وهذا كما هو ظاهر تحكم لا دليل عليه، وقد سبق أن بينت بطلان كون مذهب السلف التفويض.
كما أول قوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 5 بأن صعود الكلم الطيب والصدقة الطيبة إلى السماء عبارة عن حسن القبول لهما، وأوّل عروج الملائكة الوارد في قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 6 بأن المراد عروجهم إلى مقامهم في السماء7.
__________
1 سورة الملك آية: 16.
2 سورة النحل آية: 50.
3 سورة الأنعام آية: 18.
4 الاعتقاد ص: 42.
5 سورة فاطر آية: 10.
6 سورة المعارج آية: 4.
7 الأسماء والصفات ص: 426.

الصفحة 351