كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

فالأدلة الشرعية متضافرة على إثبات العلوّ لله تبارك وتعالى وكما هو ثابت بالسمع. فهو ثابت بالعقل والفطرة أيضاً.
أما السمع: فجميع الآبات المثبتة للاستواء، ولا تقدّم مما تأوّله البيهقي دون دليل، وحديث الجارية الواضح الدلالة، وحديث الرؤية المشبهة برؤية الشمس والقمر، وحديث الإسراء الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرضت عليه الصلاة خمسون بقي يتردد بين موسى عليه السلام في السماء السابعة، وبين ربّه جتى خفّفت إلى خمس صلوات، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة المتواترة التي تصل بنا إلى درجة اليقين الذي لا شبهة فيه ولا داعي لذكر المزيد.
أما العقل فيثبت ذلك من وجوه ذكرها شارح الطحاوية.
أحدها: العلم البديهي القاطع بأن كلّ موجودين، إما أن يكون أحدهما سارياً في الآخر قائماً به كالصفات.
وإما أن يكون قائماً بنفسه بائناً من الآخر.
الثاني: أنه لما خلق العالم فإما أن يكون خلقه قي ذاته أو خارجاً عن ذاته. والأوّل باطل. أما أوّلاً فبالاتفاق وأما ثانياً فلأنه يلزم أن يكون محلاً للخسائس والقاذورات تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
والثاني: يقتضي كون العالم واقعاً خارج ذاته فيكون منفصلاً فتعينت المباينة، لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه غير معقول.
الثالث: أن كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه يقتضي نفي وجوده بالكلية، لأنه غير معقول، فيكون موجوداً إما داخله وإما خارجه والأوّل باطل، فتعيّن الثاني، فلزمت المباينة1.
__________
1 شرح الطحاوية ص: 263.

الصفحة 353