كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

وإن كان المقصود بنفي الجهة نفي الجهة العدمية التي هي عبارة عن أن الله تعالى فوق هذا العالم كلّه، فإن هذه جهة عدمية لا وجودية، ولما كان الله تعالى فوق خلقه، فلا يصح أن يقال إنه سبحانه ليس في جهة، بقصد نفي فوقيّته وعلوّه على خلقه. وعلى هذا فالجهة قسمان:
1 - جهة يجب أن ينزه الله تبارك وتعالى عنها، وهو هذا العالم الوجودي. فإن الله تعالى ليس حالاً في شيء من مخلوقاته.
2 - الجهة الثانية عدم محض، وهو ما فوق العالم. فإثبات جهة لله تبارك وتعالى بمعنى أنه فوق العالم على عرشه بائن من خلقه. فهذا واجب شرعاً، مع مراعاة عدم التشبيه والتكييف والتعطيل. لأن هذه الجهة ثابتة لله تبارك وتعالى بما تواتر من نصوص الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة. بل جميع الأديان السماوية والكتب المنزلة تثبت ذلك. فمن قال إن الله تبارك وتعالى فوق العالم، لم يقل بجهة وجودية، بل بجهة عدمية أثبتها الشرع، وأثبتتها الفطرة، والعقل أيضاً.
أما نفي علماء الكلام لهذه الجهة، والذي وافقهم البيهقي عليه فهذا نفي باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
وهذا التفصيل هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وسبقه إليه ابن رشد. فقد قال ابن تيمية موضحاً هذا المعنى: "إذا كان سبحانه فوق الموجودات كلّها، وهو غني عنها، لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلاً عن أن يحتاج إليها.

الصفحة 355