كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات

وإن أريد بالجهة ما فوق العالم فذلك ليس بشيء، ولا هو أمر وجودي، وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا، وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره، كما يكون الإنسان في بيته، ثم رتبوا على ذلك أن يكون محتاجاً إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه"1.
فإثبات الجهة لله تبارك وتعالى بالمعنى الذي ذكره ابن تيمية - رحمه الله - موافقاً في ذلك ابن رشد، هو ما تضافرت الأدلة الشرعية والعقلية، والفطرية على إثباته.
أما نفي أن يكون الله تبارك وتعالى في جهة على الإطلاق، كما هو مذهب البيهقتي فإن هذا إثبات وهمي، وحقيقته نفي الوجود وإن كان أصحابه لم يقصدوا ذلك، وإنما قصدوا التنزيه إلا أنهم وقعوا في خطأ جسيم، خالفوا به الشرع والعقل والفطرة.
النزول وما في معناه
وبعد أن اتضح لنا رأي البيهقي في الاستواء وأنه اختار القول بالتفويض فيه فإنه هنا سلك نفس المسلك، ورضي القول نفسه، ويدخل في معنى النزول من الصفات الثابتة لله تبارك وتعالى الإتيان والمجيء فأما الإتيان والمجيء، فقد أورد البيهقي مجموعة من الآيات مصرحة بإثباتهما لله تبارك وتعالى، منها قوله سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} 2. وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 3.
__________
1 نقض تأسيس الجهمية1/520، وانظر: مناهج الأدلة لابن رشد ص: 178.
2 سورة البقرة آية: 210.
3 سورة الفجر آية: 22.

الصفحة 356