كتاب فضائح الباطنية

القَوْل فِي الصّفة الثَّانِيَة وَهِي الْكِفَايَة وَمَعْنَاهَا التهدى لحق الْمصَالح فِي معضلات الْأُمُور والاطلاع على المسلك المقتصد عِنْد تعَارض الشرور كالعقل الَّذِي يُمَيّز الْخَيْر عَن الشَّرّ وينصف بِهِ الْجُمْهُور وَإِنَّمَا الْعَزِيز المعون عقل يعرف خير الخيرين وَشر الشريرين وَذَلِكَ أَيْضا فِي الْأُمُور العاجلة وَهِي هينة قريبَة وَإِنَّمَا الملتبس عواقب الْأُمُور المخطرة وَلنْ يسْتَقلّ بهَا إِلَّا مُسَدّد للتوفيق من جِهَة الله تَعَالَى وَنحن نقُول إِن هَذِه الصّفة حَاصِلَة فَإِن أَسبَابهَا متوافرة فَإِنَّهَا مهما حصل من غريزة الْعقل وانفك عَن العته والخبل كَانَ الْوُصُول إِلَى دَرك عواقب الْأُمُور بطرِيق الظَّن والحدس مَبْنِيا على ركنين أَحدهمَا الْفِكر وَالتَّدْبِير وَشَرطه الفطنة والذكاء وَهَذِه خصْلَة تميز فِيهَا الْمَنْصُور إِمَامَته والمفروض طَاعَته عَن النظراء بمزيد النَّفاذ والمضاء حَتَّى صَار أكَابِر الْعُقَلَاء يتعجبون فِي معضلات الوقائع من رَأْيه الصائب وعقله الثاقب وتفطنه للدقائق يشذ عَن دَرك المحنكين من ذَوي التجارب وَهَذِه صفة غريزية وَهِي من الله تحفة وهدية
والركن الثَّانِي الاستضاءة بخاطر ذوى البصائر واستطلاع راى اولى التجارب على طَرِيق الْمُشَاورَة وَهِي الْخصْلَة الَّتِي امْر الله بهَا نبيه إِذْ قَالَ {وشاورهم فِي الْأَمر} ثمَّ شَرطه أَن يكون المستشير مُمَيّزا بَين

الصفحة 185