كتاب فضائح الباطنية

يقدر على اصلاح نَفسه فَيَنْبَغِي أَن تقع الْبِدَايَة باصلاح الْقلب وسياسة النَّفس وَمن لم يصلح نَفسه وطمع فِي اصلاح غَيره كَانَ مغرور كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} وَفِي الحَدِيث ان الله تَعَالَى قَالَ لعيسى بن مَرْيَم عظ نَفسك فان اتعظت فعظ النَّاس والا فاستحي مني وَمِثَال من عجز عَن اصلاح نَفسه وطمع فِي اصلاح غَيره مِثَال الاعمى اذا اراد يهدي العميان وَذَلِكَ لَا يستتب لَهُ قطّ وانما يقدر على اصلاح النَّفس بِمَعْرِِفَة النَّفس وَمثل معرفَة الانسان فِي بدنه كَمثل وَال فِي بَلَده وجوارحه وحواسه واطرافه بِمَنْزِلَة صناع وعملة وَالشَّرْع لَهُ كمشير نَاصح ووزير مُدبر والشهوة فِيهِ كَعبد سوء جالب لِلْمِيرَةِ وَالطَّعَام والعصب لَهُ كصاحب شرطة وَالْعَبْد الجالب لِلْمِيرَةِ خَبِيث ماكر يتَمَثَّل للانسان بِصُورَة الناصح وَفِي نصحة دَبِيب الْعَقْرَب فَهُوَ يُعَارض الْوَزير فِي تَدْبيره وَلَا يغْفل سَاعَة من منازعته ومعارضته فَكَانَ الوالى فِي مَمْلَكَته مَتى اسْتَشَارَ فِي تدبيراته وزيره دون هَذَا العَبْد السوء الْخَبيث وادب صَاحب شرطته وَجعله مؤتمرا لوزيره وسلطه على هَذَا العَبْد الْخَبيث واتباعه حَتَّى يكون هَذَا العَبْد مسوسا لَا سائسا ومدبرا لَا مُدبرا استقام امْر بَلَده وَكَذَا النَّفس مَتى استعانت فِي تدبيراتها بِالشَّرْعِ وَالْعقل وادبت الحمية وَالْغَضَب حَتَّى لَا يهتاج الا باشارة الشَّرْع وَالْعقل وسلطته على الشَّهْوَة واستتب أمرهَا والا فَسدتْ وَاتَّبَعت الْهوى ولذات الدُّنْيَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تتبع الْهوى} الأية وَقَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} {وَقَالَ} {أخلد إِلَى الأَرْض وَاتبع هَوَاهُ فَمثله كَمثل الْكَلْب} وَقَالَ تَعَالَى فِي مدح من عصاها {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى}

الصفحة 199