كتاب فضائح الباطنية

وصفات بهيمية فَهُوَ حيران بَين الْملك والبهيمة فمشابهته للْملك بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة والعفة وَالْعَدَالَة وَالصِّفَات المحمودة ومشابهته للبهائم بالشهوة وَالْغَضَب والحقد وَالصِّفَات المذمومة فَمن صرف همته إِلَى الْعلم وَالْعَمَل وَالْعِبَادَة فخليق أَن يلْحق بِالْمَلَائِكَةِ فيسمى ملكا وربانيا كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم} وَمن صرف همته إِلَى إتباع الشَّهَوَات وَاللَّذَّات الْبَدَنِيَّة يَأْكُل كَمَا تَأْكُل الْبَهَائِم فخليق أَن يلْحق بالبهائم فَيصير إِمَّا غمرا كثور وَإِمَّا شَرها كخنزير وَإِمَّا ضرعا ككلب أَو حقودا كجمل أَو متكبرا كنمر أَو ذَا روغان ونفاق كثعلب أَو يجمع ذَلِك فَيصير كشيطان مُرِيد وعَلى ذَلِك دلّ قَوْله تَعَالَى {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت} {وَقَالَ} {كالأنعام بل هم أضلّ} {وَقَالَ} {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ} وَهَذِه الصِّفَات الذميمة تَجْتَمِع فِي الْآدَمِيّ فِي هَذَا الْعَالم وَهُوَ فِي صُورَة الْإِنْسَان فَتكون الصّفة باطنة وَالصُّورَة ظَاهِرَة وَفِي الْآخِرَة تتحد الصُّورَة وَالصِّفَات فيصور كل شخص بِصفتِهِ الَّتِي كَانَت غالبة عَلَيْهِ فِي حَيَاته فَمن غلب عَلَيْهِ الشَّرّ حشر فِي صُورَة خِنْزِير وَمن غلب عَلَيْهِ الْغَضَب حشر فِي صُورَة سبع وَمن غلب عَلَيْهِ الْحمق حشر فِي صُورَة حمَار وَمن غلب عَلَيْهِ التكبر حشر بِصُورَة نمر وَهَكَذَا جَمِيع الصِّفَات وَمن غلب عَلَيْهِ الْعلم وَالْعَمَل وَاسْتولى بهما على هَذِه الصِّفَات حشر فِي صُورَة الْمَلَائِكَة وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا

الصفحة 201