كتاب فضائح الباطنية

وَمِنْهَا أَلا يستحقر الوالى انْتِظَار ارباب الْحَاجَات ووقوفهم بِالْبَابِ فِي لَحْظَة وَاحِدَة فان الاهتمام بِأَمْر الْمُسلمين أهم لَهُ وأعود عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ متشاغل بِهِ من نوافل الْعِبَادَات فضلا عَن اتِّبَاع الشَّهَوَات فقد روى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رضى الله عَنهُ جلس يَوْمًا للنَّاس فَلَمَّا انتصف النَّهَار ضجر ومل فَقَالَ للنَّاس مَكَانكُمْ حَتَّى أَعُود اليكم فَدخل يستريح سَاعَة فجَاء ابْنه عبد الْملك فَاسْتَأْذن فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا سَبَب دخولك قَالَ أردْت ان استريح سَاعَة فَقَالَ أأمنت أَن يَأْتِيك الْمَوْت ورعيتك على الْبَاب ينتظرونك وانت محتجب عَنْهُم فَقَالَ عمر صدقت فَقَامَ من سَاعَته وَخرج الى النَّاس
وَمِنْهَا أَن يتْرك الْوَالِي لِلْأَمْرِ الترفه والتلذذ بالشهوات فِي المأكولات والملبوسات فقد روى أَن عمر رضى الله عَنهُ كتب الى سلمَان الْفَارِسِي يستزيره فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ سلمَان تَلقاهُ فِي أَصْحَابه فَالْتَزمهُ وضمه إِلَيْهِ وَصَارَ الى الْمَدِينَة فَلَمَّا خلا بِهِ عمر قَالَ لَهُ يَا أخي هَل بلغك مني مَا تكرههُ فَقَالَ لَا قَالَ عزمت عَلَيْك إِن كَانَ بلغك مني مَا تكرههُ أَلا أَخْبَرتنِي فَقَالَ لَوْلَا مَا عزمت على أَولا مَا أَخْبَرتك بَلغنِي أَنَّك تجمع بَين السّمن وَاللَّحم على مائدتك وَبَلغنِي أَن لَك حلتين حلَّة تلبسها مَعَ أهلك وحلة تخرج فِيهَا إِلَى النَّاس فَقَالَ عمر هَل بلغك غير هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ أما هَذَانِ فقد كفيتهما فَلَا أَعُود إِلَيْهِمَا وَمِنْهَا أَن يعلم والى الْأَمر أَن الْعِبَادَة تيَسّر للولاة مَالا يَتَيَسَّر لآحاد الرعايا فلتغتنم الْولَايَة لتعبد الله بهَا وَذَلِكَ بالتواضع وَالْعدْل والنصح للْمُسلمين والشفقة عَلَيْهِم فقد روى عَن أبي بكر رضى الله عَنهُ وَهُوَ على الْمِنْبَر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْوَالِي الْعدْل المتواضع ظلّ الله وَرمحه فِي أرضه فَمن نصحه فِي نَفسه وَفِي عباد الله حشره الله تَعَالَى فِي وقده يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله وَفِي غشه فِي نَفسه وَفِي عباد الله خذله الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيرْفَع للوالي الْعدْل

الصفحة 203