كتاب فضائح الباطنية

بسمعه فَبكى بكاء شَدِيدا وَقَالَ أما إِنِّي لست ابكي على البلية النَّازِلَة وَلَكِنِّي أبْكِي لمظلوم على الْبَاب يصْرخ فَلَا يُؤذن لَهُ وَلَا أسمع صَوته وَلَكِنِّي إِن ذهب سَمْعِي فَإِن بَصرِي لم يذهب نادوا فِي النَّاس لَا يلبس أحد ثوبا أَحْمَر إِلَّا متظلم ثمَّ كَانَ يركب الْفِيل فِي نَهَاره حَتَّى يرى حمرَة بِبَاب المظلومين فَهَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مُشْتَرك بِاللَّه تَعَالَى غلبت عَلَيْهِ رأفته وَرَحمته على الْمُشْركين وَأَنت مُؤمن بِاللَّه تَعَالَى من أهل بَيت نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ لَا تغلب رأفتك بِالْمُؤْمِنِينَ وَحكى أَيْضا أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك قدم الْمَدِينَة وَهُوَ يُرِيد مَكَّة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا فأرشد الى أبي حَازِم فَدَعَاهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا أَبَا حام مَا لنا نكره الْمَوْت ونحب الْحَيَاة {فَقَالَ} لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم الدُّنْيَا فكرهتم أَن تَنقلُوا من الْعمرَان الى الخراب فَقَالَ يَا أَبَا حَازِم كَيفَ الْقدوم على الله تَعَالَى غَدا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما المحسن فكالغائب يقدم على أَهله واما الْمُسِيء فكالآبق يقدم على مَوْلَاهُ فَبكى سُلَيْمَان وَقَالَ لَيْت شعري مَا لي عِنْد الله غَدا قَالَ أَبُو حَازِم اعْرِض عَمَلك على كتاب الله تَعَالَى حَيْثُ يَقُول إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم قَالَ سُلَيْمَان فَأَيْنَ رَحْمَة الله قَالَ {قريب من الْمُحْسِنِينَ} ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان يَا أَبَا حَازِم أَي عباد الله أكْرم قَالَ أهل الْمُرُوءَة والتقى قَالَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ أَدَاء الْفَرَائِض مَعَ اجْتِنَاب الْمَحَارِم قَالَ فَأَي الدُّعَاء اسْمَع قَالَ دُعَاء المحسن اليه للمحسنين قَالَ فَأَي الصَّدَقَة أزكى

الصفحة 215