كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 69)

امرأة يوسف وكان قبل يوسف امرأة فوطرقير العزيز الذي كان اشترى يوسف قلما جاءت امرأته إليه فجلست وجاء إبليس فجلس معها إلى أيوب فقالت رحمة يا أيوب قد هلك الولد وهي تبكي فجثا إبليس كأنه حاضن ولده ينوح على ولده وعلى أيوب يقول يا أيوب قد صبرنا على ذهاب المال فكيف بالولد وكيف لو رأيت حين رضخوا بالحجارة وكيف تفلقت الهام منهم وكيف سال الدماغ من مناخرهم وكيف رضت عظامهم وكيف تناثرت أحداقهم يا أيوب فكيف بالصبر بعد هؤلاء على ما نرى بك من هذا البلاء قال فالتفت إليهما فقال أما الولد فالله كان أرحم بهم مني ومنك أيتها المرأة يعني امرأته وأما المال فكان عارية أعارنيه ربي توسعت فيه ما دام عندي ثم قبضه فله الحمد وأما أنت يا أيها المتكلف فما بكاؤك ونوحك اذهب عني فإني قد رضيت بقضاء ربي وسلمت لأمره ثم قال لامرأته يا هذه دعيني عنك من جزعك والزمي الصبر قالت يا سيدي أصير معك في الضيق والبلاء والشدة كما صبرت في الرخاء والنعيم وكذلك كان السلف من آبائنا إذا ابتلوا صبروا قال فانصرف إبليس خائبا منكسرا قال وتساقط جلد أيوب وتناثر لحمه وجرى الدود بين الجلد والعظم (1) وانقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدنيا فكانت امرأته تتصدق (2) الكسرة واللقمة فتطعمه إياه وتطحن للناس بيدها وتأخذ بأجرها طعاما (3) فلم تزل على ذلك لا يغيرها عن حالها لأيوب من طول البلاء فجعل إبليس يجمع المردة وأصحابه ويطوف المشارق والمغارب يطلب المكيدة لأيوب لا يقدر على شئ يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلا أتاه حتى أعياه ذلك فأتاه من قبل النصيحة والطب فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطب فلا يجيبه أيوب إلى شئ فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيوب كانوا مصافين له يحبونه في الله فقال لهم هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيوب قالوا لا فقص عليهم قصة أيوب فقال لهم أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام فإن امرأته تتصدق واحملوا إليه
_________
(1) وبقي على هذه الحال حتى أنتن جسده فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة خارج القرية لا يقربه أحد إلا زوجته
انظر الطبري 1 / 195 والبداية والنهاية 1 / 255
(2) تتصدق هنا بمعنى سأل راجع تاج العروس: صدق
(3) البداية والنهاية 1 / 256 ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته

الصفحة 121