كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 69)
فلما تم حملها ولدت بنتا ولا شئ أبغض إليه من البنات إذ له سبعون بنتا فلما ولدتها أرسلت إليه أيها الملك افتح بيوت الأموال وصدق وهب وأعط وادع الأمراء والقواد فلما وصلت إليه الرسالة لم يملك نفسه من الغضب أن صار إليها فقال ما هذه أنا لم يجئني ابن قط فلما جاءني وسررت به ذبحته وحرمتني إياه فلما جاءتني ابنة وأنا لها كاره أمرتني بالفرح والسرور وهو عندي حزن فما الذي دعاك إلى ذبح ابني ومهجة قلبي فلما قال لها ذلك أسبلت عينها بالدموع والبكاء ولطمت وجهها وهتكت ثيابها وحلقت شعرها وقالت أيها الملك طلقتني بعد صحبة خمس سنين وما أحببت شيئا قط حبي إياك فكان هذا جزائي منك أو أملي فيك ثم قالت أيها الملك اعلم أني ذبحت ابني ومهجة قلبي في هواك ومحبتك وذلك أن والدي الذي رأيته ممن يسترق السمع من السماء فلما ولدت الابن عرج أبي إلى السماء فسمع الملائكة يقولون إن الله قد قضى على ابنك أنه إن عاش حتى يبلغ الحلم يذبحك على فراشك فمن شدة حبي لك آثرتك على ابني ورأيت أن أذبحه صغيرا ولا يكبر فيدخل قلبي من محبته ما أعاونه عليك ولقد وجدت عليه مثلما تجد الوالدة على ولدها إلا أني رأيت أنها نار أطفئت كل ذلك محبة للملك وأما الثياب والسروج التي حرقتها والطعام الذي أهرقته فإن لي ابن عم كان مسمى علي فلما صرت إليك حسدني وعاداني فلما ولدت الابن جاء ابن عمي فسم الطعام والثياب والسروج ليهلك الملك ورجاله فلذلك فعلت الذي فعلت فلما ولدت هذه الابنة صعد أبي إلى السماء فاسترق السمع فسمع الملائكة يتحدثون أن هذه البنت أبرك بنت ولدت على وجه الأرض وأشرفه وأجله وإنها وارثة ملكك بعد أن يغصبه غاصب ليس من أهله فهي التي ترتج منها البلاد وتملك اليمن وحضرموت والحجاز ويجل سلطانها ويعظم شأنها حتى يكون تحت يدها ألف أمير تحت يد كل أمير ألف قائد وتحت يد كل قائد ألف جندي وإنه يتزوج بها نبي يكون في زمانها يقال له سليمان تسمع له الجن والإنس والشياطين والسحاب والرياح ويسخر ذلك كله له ويسمعون ويطيعون أمره ويفهم كلام الوحش والطير فيكون بيده نصف الأرض فاستوص أيها الملك بها خيرا إذ حرمتني قربها وانظر كيف تكون لها بعدي فلن تراني أبدا لا أراك بعد يومي هذا ثم غابت عن بصره وعن ابن عباس قال كان سليمان إذا سار في ملكه فالإنس عن يمينه والجن عن يساره والشياطين بين يديه والوحوش خلفه والطير تظله والريح تحمله وكان دليله على الماء في المفاوز
الصفحة 70
304