كتاب شرح القواعد الفقهية

لَا يبرآن عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك. (٤) وَيُزَاد رَابِع لَهَا (ذكره صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ _ بعد أَن رمز لفتاوى القَاضِي ظهير وللواقعات _) : أَخذ لقطَة ثمَّ ضَاعَت مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَد آخر فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، بِخِلَاف الْوَدِيعَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن للثَّانِي ولَايَة أَخذ اللّقطَة كَالْأولِ بِخِلَاف الْوَدِيعَة. ثمَّ قَالَ عقبه: " أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَو تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي ثمَّ هَلَكت يضمن، لِأَن يَده لَيست بيد مَالك لما مر من عدم الْخُصُومَة، فبتعديه ظهر أَنه غَاصِب فَلَا يبرأ إِلَّا بِمَا يبرأ بِهِ الْغَاصِب ".
وَلَكِن لم يظْهر لي مَا بَحثه من أَن الْمُلْتَقط يضمن إِذا هَلَكت بعد أَن تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي، بل ظهر لي خِلَافه وَذَلِكَ أَن الِالْتِقَاط بِقصد الرَّد على الْمَالِك مَنْدُوب إِلَيْهِ عِنْد عدم الْخَوْف على اللّقطَة، وواجب عِنْد الْخَوْف عَلَيْهَا، وَمَا ذَلِك إِلَّا للْإِذْن بِهِ من الْمَالِك دلَالَة، وَالْإِذْن من الْمَالِك دلَالَة، كالإذن الصَّرِيح، يَنْفِي الضَّمَان كَمَا قَالُوا فِيمَا لَو ذبح الرَّاعِي الْبَعِير فِي المرعى بعد أَن مرض مَرضا لَا ترجى مَعَه حَيَاته فَإِنَّهُ لَا يضمن، لِأَن الْإِذْن من الْمَالِك يذبحه وَالْحَالة هَذِه حَاصِل عَادَة.
فَإِذا كَانَ الِالْتِقَاط للْمَالِك كَانَ الْإِذْن للملتقط بِوَضْع يَده حَاصِلا من الْمَالِك دلَالَة، وَلذَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وواجباً شرعا، فَتكون يَده يدا مَأْذُونا فِيهَا، وَإِذا كَانَت مَأْذُونا فِيهَا فَهِيَ يَد نائبة عَن يَد الْمَالِك، فَإِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي لَا يبْقى غَاصبا بل تعود يَد النِّيَابَة عَن الْمَالِك فَإِذا هَلَكت بعد ذَلِك لَا يضمن.
وَمَا نَقله عَن فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين والواقعات من نفس الْخُصُومَة بَين الْمُلْتَقط الأول وَالثَّانِي لَيْسَ مُعَللا بِأَن يَد الأول لَيست يَد الْمَالِك، كَمَا قَالَ، حَتَّى ينْتج الْمَطْلُوب، بل هُوَ مُعَلل كَمَا ترى بِأَن للثَّانِي ولَايَة الْأَخْذ كَالْأولِ إِذْ إِن أَخذ الثَّانِي، كأخذ الأول، مَأْذُون فِيهِ دلَالَة، فَتكون يَده يَد نِيَابَة كَذَلِك فَلَا يتَرَجَّح الأول عَلَيْهِ، على أَنه نقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار فِي كتاب اللّقطَة، عَن السراج، أَن الصَّحِيح أَن الْمُلْتَقط الأول لَهُ أَن يُخَاصم الْمُلْتَقط الثَّانِي فِي اللّقطَة ويأخذها مِنْهُ

الصفحة 51