فصل في أهليّة الأحكام، وكيفيّة تعلقها بالأسباب وبيان أعيان (¬1) الأسباب
[1]
ذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله وقال: الأهلية (¬2) نوعان: أهلية الوجوب، وأهلية الأداء.
فأهلية الوجوب - بكونه أدميًا حيًا، له ذمة، وهو العهد مع الله تعالى في قبول تحمل الأمانات والحقوق المشروعة - قال الله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان" (¬3) فيثبت الوجوب بناء على الأهلية. ثم يسقط في بعض المواضع، لعدم فائدة الأداء, لأن المراد بالوجوب هو الأداء، فإذا كان فيه احتمال الأداء في الجملة، من حيث الأصل أو النيابة (¬4)، يبقى الوجوب، وإلا فيسقط (¬5).
فأما أهلية الأداء -[فـ] بالقدرتين، وهو قدرة تفهم الخطاب، وقدرة تحصيل الفعل. فما لم يوجدا جميعًا لا يثبت أهلية الأداء. وهكذا لأن الوجوب نوعان:
[الأول]- أصل الوجوب، وهو شغل الذمة بالواجب، وإنه يثبت جبرًا من الله تعالى، شاء العبد أو أبى.
والثاني - وجوب الأداء، وهو وجوب إسقاط ما في ذمته من الواجب، وإنه يثبت بالخطاب، والخطاب لا يتوجه على العاجز. ومن
¬__________
(¬1) كذا في ب: "أعيان" وفي الأصل: "اعتبار". انظر فيما بعد ص 749 حيث قال: "وأما بيان أعيان الأسباب".
(¬2) "ذكر القاضي ... الأهلية" ليست في ب.
(¬3) سورة الأحزاب: 72 - وبقية الآية: "إنه كان ظلومًا جهولا".
(¬4) في ب: "من حيث الأصالة والنيابة".
(¬5) في ب "يسقط".