كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

فيلزم علية هذه المدارات, أو لا تدل فيلزم عدم علية تلك؛ للتخلف السالم عن المعارض. والأول ثابت فانتفى الثاني وعورض بمثله، وأجيب بأن المدلول قد لا يثبت لمعارض، قيل: الطرد لا يؤثر والعكس لم يعتبر, قلنا: يكون للمجموع ما ليس لأجزائه". أقول: الطريق السادس من الطرق الدالة على العلية: الدوران, وسماه الآمدي وابن الحاجب الطرد والعكس. وهو كما قال المصنف عبارة عن حدوث الحكم بحدوث الوصف وانعدامه بعدمه, وذلك الوصف يسمى مدارا, والحكم يسمى دائرا, ثم إن الدوران قد يكون في محل واحد كالسكر مع عصير العنب فإنه قبل أن يحدث فيه وصف الإسكار كان مباحا، وعند حدوثه حدثت الحرمة. وقد يكون في محلين كالطعم في تحريم الربا, فإنه لما وجد الطعم في التفاح كان ربويا، ولما لم يوجد في الحرير لم يكن ربويا, وأراد المصنف بحدوث الأحكام حدوث تعلقاتها, وأما ذواتها فهي قديمة, كما تقدم تعبيره بقوله: بحدوث, وبقوله: بعدمه، يقتضي أنه لا بد أن يكون الوصف علة للحدوث والعدم, فإن الياء دالة على التعليل. وقد صرح الغزالي في المستصفى وفي شفاء العليل بذلك، فقال: والمؤثر من الدوران هو أن يكون الثبوت بالثبوت والعدم بالعدم، وأما الدوران بمعنى الثبوت مع الثبوت، والعدم مع العدم فليس بعلة, واعترض عليه الإمام فخر الدين في الرسالة النهائية بأن قال: الثبوت بالثبوت هو كونه علة له, فكيف يستدل به على علية الوصف لثبوت الحكم؟ وهذا الاعتراض بعينه وارد على عبارة المصنف, لا جرم أن الإمام في المحصول عبر بالثبوت عند الثبوت وبالانتفاء عند الانتفاء، لكنه ينتقض بالمتضايقين كالنبوة والأبوة, فإن الحد صادق على ذلك مع أنه ليس من الدوران؛ لأن الدوران يفيد العلية كما سيأتي، وأحد المتضايقين ليس علة للآخر؛ لأن العلة متقدمة على المعلول, والمضافان معا، واختلفوا في أن الدوران هل يفيد العلية أم لا؟ فقال الإمام والمصنف: إنه يفيد التعليل ظنا، وقال بعض المعتزلة: يفيد العلية قطعا، وقال بعضهم: لا يفيدنا أصلا ولا قطعا ولا ظنا, واختاره الآمدي وابن الحاجب, وكلام المحصول في الأفعال الاختيارية قبل البعثة يقتضيه. قوله: "لنا" أي: الدليل على ما قلنا من وجهين أحدهما: أن الحكم لم يكن ثم كان فيكون حدثا، وكل حادث لا بد له من علة بالضرورة, فعلته إما الوصف المدار أو غيره، لا جائز أن يكون غير المدار وهو العلة؛ لأن ذلك الغير إن كان موجودا قبل صدور ذلك الحكم فليس بعلة له، وإلا لزم تخلف الحكم عن العلة وهو خلاف الأصل، وإن لم يكن موجودا فالأصل بقاؤه على العدم، وإذا حصل ظن أن غير المدار ليس بعلة حصل ظن أن المدار هو العلة وهو المدعى. والثاني ولم يذكره الإمام ولا صاحب الحاصل: أن عليه بعض المدارات للحكم الدائر مع تخلف ذلك الدائر عن ذلك المدار في شيء من صورة لا تجتمع مع عدم علية بعض المدارات للدائر؛ لأن ماهية الدوران من حيث هي, إما أن تدل على

الصفحة 332