كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

والسلام: "الثيب أحق بنفسها" 1 , والسبر غير الحاصر مثل أن تقول: علة حرمة الربا إما الطعم أو الكيل أو القوت, فإن قيل: لا علة لها أو العلة غيرها, قلنا: قد بينا أن الغالب على الأحكام تعليلها، والأصل عدم غيرها". أقول: الطريق السابع من الطرق الدالة على العلية: التقسيم الحاصر، والتقسيم الذي ليس بحاصر، ويعبر عنهما بالسبر والتقسيم، ومعناه: أن الباحث على العلة يقسم الصفات التي يتوهم عليتها، بأن يقول: علة هذا الحكم إما هذه الصفة وإما هذه, يسبر كل واحدة منهما، أي يختبره ويلغي بعضها بطريقة، فيتعين الباقي للعلية، فالسبر هو أن يختبر الوصف هل يصلح للعلية أم لا؟ والتقسيم, وقولنا: العلة إما كذا وإما كذا، فكان الأولى أن يقدم التقسيم في اللفظ فيقال: التقسيم والسبر لكونه متقدما في الخارج، فالتقسيم الحاصر هو الذي يكون دائرا بين النفي والإثبات كقول الشافعي مثلا: ولاية الإجبار على النكاح إما أن لا تعلل بعلة أصلا أو تعلل، وعلى التقدير الثاني فإما أن تكون معللة بالبكارة أو الصغر أو بغيرهما, والأقسام الأربعة باطلة سوى القسم الثاني, وهو التعليل بالبكارة, فأما الأول وهو أن تكون معللة, والرابع وهو أن تكون معللة بغير البكارة والصغر فباطلان بالإجماع، وأما الثالث فلأنها لو كانت معللة بالصغر لثبتت الولاية على الثيب الصغيرة لوجود العلة وهو باطل، لقوله -عليه الصلاة والسلام: "الثيب أحق بنفسها"، وهذا القسم يفيد القطع إن كان الحصر في الأقسام وإبطال غير المطلوب قطعيا، وذلك قليل في الشرعيات، وإن لم يكن كذلك فإنه يفيد الظن. وأما التقسيم الذي ليس بحاصر فهو الذي لا يكون دائرا بين النفي والإثبات, ويسمى بالتقسيم المنتشر وعبر عنه المصنف بالسبر غير الحاصر، وعبر عن الأول بالتقسيم الحاصر تنبيها على جواز إطلاق كل واحد من السبر، والتقسيم على كل واحد من القسمين، وهذا القسم لا يفيد إلا الظن، فلا يكون حجة في العقليات بل الشرعيات فقط، كقولنا: علة حرمة الربا إما الطعم أو الكيل أو القوت, والثاني والثالث باطلان بالنقض أو بغيره، فتعين الطعم وهو المطلوب، قال في المحصول2: وهذا إذا لم يتعرض الإجماع على تعليل حكمه وعلى حصر العلة في الأقسام، فإن تعرض لذلك كان قطعيا. قوله: "فإن قيل" أي: أورد على الاستدلال بالسبر غير الحاصر، فقيل: لا نسلم أن تحريم الربا معلن، فإن من الأحكام ما لا علة له بدليل أن علية العلة غير معللة، وإلا لزم التسلسل، سلمنا فلم لا يجوز أن تكون العلة غير هذه الثلاث فإنكم لم تقيموا دليلا على الحصر فيها، وأجاب المصنف عن الأول بأنا بينا في باب المناسبة أن الغالب على الأحكام الشرعية تعليلها بالصالح, فيكون ظن التعليل أغلب من ظن عدم التعليل، وعن الثاني بأن الأصل عدمه علة أخرى غير الأمور المذكورة، وذلك كافٍ في حصول الظن بعلية
__________
1 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح "67" والنسائي في سننه, كتاب النكاح "باب 32".
2 انظر المحصول، ص353، جـ2.

الصفحة 334