كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

أحدهما. قال: "الثامن: الطرد, وهو أن يثبت معه الحكم فيما عدا المسارع فيه, فيثبت فيه إلحاقا للمفرد المتنازع بالأعم الأغلب، وقيل: تكفي مقارنته في صورة, وهو ضعيف". أول الطريق الثامن من الطرق الدالة على العلية الطرد, والطرد مصدر بمعنى الاطراد، وهو أن يثبت الحكم مع الوصف الذي لم يعلم كونه مناسبا ولا مستلزما للمناسب في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع، وقد اختلفوا فيه فمن لا يقول بحجة الدوران كالآمدي وابن الحاجب لا يقول بهذا بطريق الأولى، ومن يقول بحجته اختلفوا هنا، فذهب الغزالي في شفاء العليل، والإمام فخر الدين في الرسالة النهائية إلى أنه حجة، ومال إليه في المحصول، وصرح به صاحب الحاصل، وقطع به المصنف، وذهب جماعة منهم الغزالي في المستصفى إلى أنه ليس بحجة، واستدل الأولون بأن الحكم إذا كان ثابتا مع الوصف في الصور المغايرة لمحل النزاع، ثم وجد ذلك الوصف بعينه في محل النزاع، لزم أن يثبت الحكم فيه إلحاقا للمفرد بالأعم الأغلب، فإن كان استقراء الشرع يدل على أن النادر في كل باب ملحق بالغالب، وذهب بعضهم إلى أنه يكفي في التعليل بالوصف مقارنته للحكم في صورة واحدة؛ لأنا إذا سلمنا أن الحكم لا بد له من علة، وعلمنا حصول هذا الوصف ولم نعلم غيره ظننا أنه علة، إذ الأصل عدم ما سواه، قال المصنف: وهو ضعيف؛ لأن الظن لا يحصل إلا بالتكرار. قال: "التاسع: تنقيح المناط، بأن يبين إلغاء الفارق، وقد يقال: العلة، إما المشترك أو المميز، ولا يكفي أن يقال: محل الحكم، إما المشترك أو مميز الأصل؛ لأنه لا يلزم من ثبوت المحل ثبوت الحكم". أقول: الطريق التاسع, وهو آخر الطرق الدالة على العلية: تنقيح المناط، أي: تلخيص ما أناط الشارع الحكم به أي: ربطه به وعقله عليه، وهو العلة، والمناط اسم مكان من الإناطة، والإناطة للتعليق والإلصاق، قال حبيب الطائي:
بلاد بها نِيطت عليَّ تماتمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها1
أي: علقت على الحروز بها، فلما ربط الحكم بالعلم وعلق عليها سميت مناطا، وتنقيح مناطي العلة هو أن يبين المستدل إلغاء الفارق بين الأصل والفرع، وحينئذ فيلزم اشتراكهما في الحكم، مثاله أن يقول الشافعي للحنفي: لا فارق بين القتل بالمثقل والمحدد، لا كونه محددا، وكونه محددا لا مدخل له في العلية؛ لكون المقصود من القصاص هو حفظ النفوس، فيكون القتل هو العلة وقد وجد في المثقل، فيجب فيه القصاص. وهذا النوع عند الحنفية يسمونه بالاستدلال، وليس عندهم من باب القياس كما تقدم بسطه. قوله: "قد يقال" أي: قد يقرر بعبارة أخرى، فيقال: علة الحكم إما المشترك بين الأصل والفرع, وهو القتل العمد في مثالنا، أو المميز للأصل عن الفرع،
__________
1 حبيب بن أوس الطائي: أبو تمام، الشاعر الأديب، أحد أمراء البيان، ولد في جاسم "من قرى حوران بسورية" ورحل إلى مصر, واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على الشعراء في وقته، توفي سنة "231هـ" "الأعلام 2/ 165".

الصفحة 335