كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

القدرة على تسليمه، ومثال الثاني استدلال الحنفية على منع تقديم أذان الصبح بقولهم: صلاة الصبح صلاة لا تقصر, فلا يجوز تقديم أذانها على وقتها قياسا على صلاة المغرب، والجامع بينهما هو عدم جواز القصر. فيقول الشافعي: هذا الوصف غير منعكس؛ لأن هذا الحكم وهو منع التقديم ثابت بعد زوال هذا الوصف في صورة أخرى غير محل النزاع, كالظهر مثلا فإنها تقصر مع امتناع تقديم أذانها، وهذا المنع لعلة أخرى غير عدم القصر بالضرورة لزوال عدم القصر مع بقاء المنع. وقد اختلفوا في عدم التأثير وعدم العكس هل يقدحان أم لا؟ وبنى المصنف الأول على أن الحكم الواحد بالشخص هل يجوز تعليله بعلتين مستقلتين؟ فعند من ذهب إلى امتناعه يكون قادحا؛ لأن عدم الوصف المفروض علة مع بقاء الحكم كما كان من غير أن يكون ثابتا بعلة أخرى, يحصل العلم بأن ذلك الوصف غير علة, وعند من جوزه لا يكون قادحا؛ لجواز أن يكون بقاء الحكم لوصف آخر غير ذلك الوصف المفروض لعلة. وأما الثاني وهو العكس، فبناه على أن الحكم الواحد بالنوع هل يجوز تعليله لعلتين أم لا؟ وبناؤه ظاهر مما تقدر, فإن من يجوز ذلك لا يجعل هذا قادحا لجواز ثبوت حكم في صورة العلة، وثبوت مثله في صورة أخرى لعة أخرى. وقد علمت من هذا الحكم الواحد، إن بقي شخصه بعد زوال العلة فهو عدم التأثير، وإن بقي نوعه فهو عدم العكس، ووجه كون الأول واحدا بالشخص أن امتناع بيع الطير في الهواء قد بقي بعينه بعد الرؤية كما كان قبلها بخلاف منع تقديم الأذان, فإن الباقي منه بعد زوال العلة وهو كون الصلاة لا تقصر إنما هو المنع في الرباعية، والذي كان ثابتا مع العلة إنما هو منع غيرها لكنهما مشتركان في النوعية، وهو منع تقديم الأذان، وبناء عدم التأثير على تعليل الواحد بالشخص يلزم منه أن يكون المراد ببقاء الحكم فيه إنما هو البقاء في تلك الصورة بعينها فافهمه. إذ علمت ذلك فقد اختلفوا في جواز تعليل الحكم لواحد بعلتين على مذاهب, أحدها: يجوز مطلقا واختاره ابن الحاجب. والثاني: لا يجوز مطلقا واختاره الآمدي. والثالث: يجوز في المنصوصة دون المستنبطة، واختاره الإمام كما نص عليه بعد هذه المسألة في الكلام على الفرق، وتابعه المصنف هنا، ثم إن مقتضى كلام المصنف أن الخلاف جارٍ في الواحد بالشخص الواحد بالنوع، وقال الآمدي: محل الخلاف في الواحد بالشخص، وأما الواحد بالنوع فيجوز بلا خلاف، وهذا الخلاف هو المعبر عنه بأن العكس هل هو معتبر في العلل أم لا, لكن الإمام لما حكاه هنا ذكر أن العلل الشرعية لا يشترط فيها العكس. قال: وفي العقلية خلاف بين أصحابنا والمعتزلة، ثم اختار مذهب المعتزلة, وهو أنه لا يشترط. وقد اختصر صاحب التحصيل كلامه على وجهه، وأما صاحب الحاصل فإنه نقل عن الأشاعرة أنهم خالفوا في العقليات والشرعيات، وليس مطابقا لما في المحصول، وإذا جمعت بين ما قاله الإمام هنا وبين قوله: إنه لا يجوز

الصفحة 342