كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

وارد في المنصوصة. الثالث: أن معرفة اقتصار الحكم على محل النص وانتفائه عن غيره من أعظم الفوائد، وهي حاصلة هنا فإنا إذا لم نجوز التعليل بالعلة القاصرة، ووجدنا في الأصل وصفا متعديا يناسب ذلك الحكم، فإنه يجب التعليل به لخلوه عن المعارض، وحينئذ يلزم إثبات الحكم في الفرع بخلاف ما إذا جوزنا التعليل به، ونقل إمام الحرمين في البرهان عن بعضهم أن فائدة تعليل تحريم التفاضل في النقدين بكونهما نقدين, هو تحريم التفاضل في الفلوس إذا راجت رواج النقود, قال: وهذا خطأ؛ لأن النقدية في الشرع مختصة بالنوعين, ولأن النص إن تناولها بقي الأمر على ما هو عليه من عدم حصول الفائدة من التعليل، وإن لم يتناولها كانت العلة متعدية وكلامنا في القاصرة. واعلم أن هذا الدليل المنقول عن الحنفية إنما يستقيم إذا قلنا: إن الحكم في مورد النص لا يمكن ثبوته بالعلة، وقد نقله عنهم في المحصول، وعللوه بأن الحكم معلوم والعلة مظنونة، المظنون لا يكون طريقا إلى المعلوم, ثم نقل هو والآمدي وابن الحاجب عن أصحابنا أنهم جوزوا ثبوته بها، وحينئذ فيندفع الدليل من أصله. قوله: "لنا" أي: استدل أصحابنا على الجواز بأن تعدية العلة إلى الفرع متوقفة على كونها علة، فلو توقف كونها علة على تعديتها للزم الدور، وأجاب ابن الحاجب بأن هذا الدور غير محال لكونه دور معية، وأجاب غيره بأن كل واحدة من التعدية والعلية مستلزمة للأخرى، كالنبوة مثلا لا متوقفة عليها، فلا يلزم الدور؛ لأن الدور إنما هو على تقدير التوقف, وأيضا إن كان المراد من التعدية وجود الوصف في صورة أخرى فلا نسلم توقفه على العلية وهو واضح، وإن كان المراد بها كون الوصف علة في صورة أخرى فنسلم توقفها على العلية، لكن لا نسلم توقف العلة على التعدية بهذا المعنى، بل إنما تتوقف على وجود الوصف في صورة أخرى، وحينئذ فلا دور. قال: "قيل: لو علل بالمركب، فإذا انتفى جزء تنتفي العلية، ثم إذا انتفى جزء آخر يلزم التخلف، أو تحصيل الحاصل، وإن قلنا: علية عدمية فلا يلزم ذلك". أقول: ذهب الأكثرون ومنهم الإمام والآمدي وأتباعهما إلى جواز تعليل الحكم بالوصف المركب، كتعليل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان؛ لأنه مناسب له ودائر معه، وهما يفيدان العلية كما تقدم، وعلى هذا قال بعضهم: يشترط أن لا تزيد الأجزاء على سبعة، قال الإمام: ولا أعرف لهذا الحصر حجة، واحتج المانع بأنه لو صح التعليل به لكان عدم كل واحد من أجزائه علة تامة لعدم عليته؛ لأن عدم كل واحد منها علة لعدم ذاته، وإذا ارتفعت الذات ارتفعت الصفات بالضرورة، وحينئذ فنقول: إذا انتفى جزء من المركب تنتفي العلية لما قلناه، ثم إذا انتفى جزء آخر منه فإن لم تنتف عليه يلزم تخلف المعلول عن علية التامة، وإن انتفت يلزم تحصيل الحاصل، وكلاهما محال، فالتعليل بالمركب محال، وأجاب المصنف بأن العلية صفة عدمية، فإنها من النسب والإضافات التي هي أمور يعتبرها العقل لا وجود لها في الخارج، وإذا كانت

الصفحة 352