كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

المحصول في الصراحة ليس كالأحكام، فصرح بما توهمه، فرأى المصنف حالة اختصاره أن تفريق أقوال الحكم الواحد لا معنى له, فأخذ حاصل المسألتين من الأقوال وجمعه في هذا الموضع، فلزم منه أن القول المفصل بين الانتشار وعدمه تفصيل في الاحتجاج به, وليس كذلك, بل إنما هو تفصيل في جواز التقليد مع تسليم عدم الاحتجاج به فافهمه، والعجب إنما هو من فهم صاحب الحاصل؛ فإنه كيف يترجم مصنف مسألة واحدة مرتين متواليتين بترجمتين مستقلتين؟ واعلم أن القول بجواز التقليد نص عليه في الأم في مواضع متعددة, فهو إذًا جديد لا قديم. قوله: "لنا" أي: الدليل على كونه ليس بحجة مطلقا النص والإجماع والقياس؛ وأما النص فقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أمر تعالى أولي الأبصار بالاعتبار يعني الاجتهاد, وذلك ينافي التقليد؛ لأن الاجتهاد هو البحث عن الدليل، والتقليد هو الأخذ بقول غيره من غير دليل، وفيه نظر؛ لأن القائلين بكونه حجة يمنعون كونه تقليدا ويجعلونه كسائر الأدلة، على أن صاحب الحاوي وجماعة حكوا خلافا في أن الأخذ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يسمى تقليدا أم لا؟ وأما الإجماع فهو أن الصحابة أجمعوا على جواز مخالفة بعضهم بعضا، فلو كان قول الواحد منهم حجة لوقع الإنكار على من خالفه منهم، وهذا الدليل على محل النزاع، فإن الخلاف في غير الصحابة كما تقدم، وقد يجاب عنه بأنه إذا كان مذهبهم جواز مخالفة بعضهم بعضا، بأن لم يكن مذهبهم حجة على غيرهم جاز لغيرهم مخالفة كل واحد منهم، وإن كان حجة جاز لغيرهم ذلك أيضا، أعني: مخالفة كل واحد منهم؛ لأن مذهبهم جواز مخالفة كل واحد منهم، والفرض أن مذهبهم حجة، وأما القياس فهو أن قول الصحابي ليس بحجة على غيره من المجتهدين في أصول الدين، فلا يكون أيضا حجة في فروعها، والجامع بينهما تمكن المجتهد في الموضعين من الوقوف على الحكم بطريقة, هذا أيضا ضعيف؛ لأن المطلوب في الأصول هو العلم بخلاف الفروع, فإن المطلوب فيها هو الظن، وقد يحصل الظن بقول الصحابي، ولا يحصل العلم، وحينئذ فيكون قوله حجة في الفروع دون الأصول، واحتج غير المصنف بأن الأصل في الأدلة أن لا تخص قوما دون قوم، وبأن قولهم لم يكن حجة في زمانهم, فكذلك بعدهم عملا بالاستصحاب. قوله: "قيل ... إلخ" أي: احتج من قال: إنه حجة مطلقا بقوله -عليه الصلاة والسلام: "أصحابي كالنجوم, بأيهم اقتديتم اهتديتم" جعل الاهتداء لازما للاقتداء بأي واحد منهم كان، فدل على كونه حجة، وإلا لم يكن المقتدي به مهتديا، وأجاب المصنف بأن الخطاب هنا إنما هو مع الصحابة لكونه خطاب مشافهة فانتفى دخول غيرهم. ثم إن الصحابة المخاطبين بذلك لا يجوز أن يكونوا مجتهدين، لكونه ليس محل الخلاف كما تقدم، فتعين أن يكون المراد منه أن العامي منهم إذا اقتدى بأي مجتهد كان منهم اهتدى، وهو صحيح مسلم، وأجاب

الصفحة 368