كتاب نهاية السول شرح منهاج الوصول

إلى المجتهد أي: بتفويضه إليه؛ لاستحالة انقلاب الحقائق، وأجاب المصنف بوجهين أحدهما: أنه مبني على أصل ممنوع وهو وجوب رعاية المصالح. الثاني: وسلمنا ما ذكرتم لكن لم لا يجوز أن يكون اختيار العبد للحكم أمارة على وجود المصلحة فيه؟ وذلك بأن يلهمه الله تعالى إلى اختيار ما فيه المصلحة، وإن لم يعلم بها فإن الله تعالى لما أخبره بأنه لا يحكم إلا بالصواب، وتوقف الحكم بالصواب على المصلحة، لزم أن لا يحكم إلا بالمصلحة. قوله: "لقوله عليه السلام" أي: استدل موسى بن عمران على الوقوع بأمرين أحدهما: قضية النضر بن الحارث وهي على ما حكاه ابن هشام في السيرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين فرغ من بدر الكبرى توجه إلى المدينة ومعه الأسرى, فلما كان بالصفراء أمر عليا فقتل النضر بن الحارث ثم أنشد بعد ذلك ما قيل في القتلى فقال وقالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث:
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزل بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بوابلها وأخرى تحنق
هل يسمعني النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعز ما يغلو به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو فان موثق
قال ابن هشام فقال: الله أعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بلغه هذا الشعر قال: "لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه" هذا آخر كلام ابن هشام. وتخفق بضم الفاء وكسرها معناه تضطرب, والضنء بكسر الضاد المعجمة معناه: الذي يضن به أي يبخل به لعظم قدره، ويقال: أعرق فهو معرق على البناء للمفعول فيهما أي: له عرق في الكرم، وعلى البناء للفاعل بمعنى أنج، ورسف المقيد بالراء والسين المهملة هو مشي المقيد. قاله الجوهري، ومعنى قولها: من صبح خامسة أي: صبح ليلة خامسة؛ لأنها كانت بمكة وبينها وبين الأثيل الذي بالصفراء وهو مكان قبر أخيها هذه المسافة، ووجه الدلالة أن قوله -عليه الصلاة والسلام: "لو بلغني لمننت عليه" يدل على أن الحكم كان مفوضا إلى رأيه، إذ لو كان مأمورا لقتله سمع شعرها أو لم يسمعه، المصنف رحمه الله لم يذكر الشعر وذكر أن الذي أنشدته هو بنت النضر, وكذلك ذكره الإمام والآمدي وأتباعهما. وقد عرفت مما تقدم من كلام ابن هشام أنها أخته لا بنته, وصرحوا أيضا بأنها أنشدته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف مقتضى كلام ابن هشام. الدليل

الصفحة 370